ماذا يريد الشباب؟
النواب السابقون خالد السلطان ومحمد هايف ووليد الطبطبائي، وهم من السلف يدعون اليوم إلى وقف المسيرات الاحتجاجية، والاكتفاء بالتجمعات في المناطق المختلفة، فالقانون لا يطلب الترخيص المسبق للتجمعات السلمية، حسب ما صرح النائب وليد، ولا أعلم كيف يفرق فقهاء السلطة بين التجمعات السلمية والاجتماعات العامة والمسيرات؟ وكيف يفسر حكم المحكمة الدستورية فيها؟ فكلها عند السلطة "صابون"، ورأي مخالف لإرادتها غير القابلة للنقاش.لكن مهما يكن الأمر، لا أحد يريد العنف؛ أياً كان مصدره، ولو كانت الأمور بالتمني، فأنا أتمنى قبل نواب السلف أن تقف معارك العنف بين المتظاهرين "الشباب" والقوات الخاصة، لأن الضرر لم يعد قاصراً على جسد عباس الشعبي أو بعض الشباب المتظاهرين، إضافة إلى رجال القوات الخاصة وسكان المناطق التي تمت فيها المسيرات، الضرر الأكبر والأخطر اليوم أن يصبح العنف منهجاً في حياة الدولة، وهذا لن يتوقف عند حدود القنابل الدخانية ومحاولات الدهس العشوائية، بل سيمتد إلى الرصاص الحي، ومواجهات خطرة لا نعرف أين ستنتهي.
ليس هذا وقت التنظير، والبحث عن المسبب في كل هذا، فهذا سهل، فهي سلطة تفرض رأيها بالقهر، يقابلها شباب يشعرون أنهم همشوا، وتم استبعادهم من الحراك السياسي، وحين أرادوا التعبير السلمي قابلتهم السلطة بالعنف والمنع، متذرعة بحكم القانون، مع أن القانون، الذي يحظر المسيرات السلمية بدون ترخيص مسبق (هذا الترخيص منح مرة واحدة قبل الانتخابات، ولن يتكرر)، ليس مقدساً، حاله كحال قوانين القهر والظلم التي تضج بها تشريعات الاستبداد. الشباب اليوم يتحدون ذلك القانون، ولا يكترثون لضريبة ذلك التحدي، ومن يتصور أن نواب الأغلبية "المستبعدة" من المجلس يمكنها أن تلجم ذلك المسار العنفي فهو واهم، فالأمور خرجت من أيديهم، كل ما يستطيعه هؤلاء النواب المستبعدون هو المحاولة، ولا أكثر من ذلك. القضية لم تعد قضية صوت واحد أو أربعة أصوات، فجذور الأزمة أعمق وأبعد، يمكن أن نقول إن من أسبابها (ليس بالتحديد) مجلس 2009 وموقف الحكومة السابقة من شراء الذمم النيابية، ويمكن القول، أيضا، إن من أسبابها جمود الأوضاع "شبه" الديمقراطية في الدولة منذ منتصف ستينيات القرن الماضي، وعجز السلطة عن فهم ومسايرة التطورات التي تهز المنطقة العربية دون استثناء، وتصور السلطة أنها يمكنها "شراء الرفض" بمسكناتها التقليدية التي لا تعرف غيرها، حين رفعت شعار "ادفع وهب" حتى ينسى الرافضون ما يرفضونه. كلها كانت أعمال شراء وقت وتأخير وتسويف لن تجد نفعا آخر الأمر.نحن الآن أمام صراع أجيال، وهناك هوة كبيرة تتسع بين من يمسك زمام الأمور وبين الشباب المتململين الذين زهدوا هذا الواقع المتحجر.الواجب الآن أن تفتح السلطة أبوابها للحوار مع هؤلاء الشباب، وتنصت جيداً لما يقولونه، وتفهم، بصدر واسع وحلم كبير، ماذا يريدون ومما يشكون، وتتفاعل معهم، فلهم تطلعاتهم ولهم أحلامهم، فلنشاركهم أحلامهم.