أكثر ما لم أفهمه في الأحداث السورية خلال الأسابيع القليلة الماضية (علما أنني لا أدّعي فهماً للكثير مما يحدث في الفيلم السوري الدرامي الطويل)، إلا أن هذين الحدثين هما أكثر ما لم أفهمه:

Ad

الحدث الأول: بشار الجعفري، مندوب سورية في الأمم المتحدة يتهم أطرافاً لبنانية (غير رسمية) كما جاء في خطابه في الأمم المتحدة، وأكّد أنها غير رسمية، في إشارة إلى تبرئة حكومة حزب الله ومن معها من تلك التهمة الخسيسة، أما التهمة فهي أن تلك الأطراف غير الرسمية تسلّح اللاجئين السوريين الذين وجدوا أنفسهم جوراً يعيشون في غير بيوتهم في ظروف لا إنسانية تفتقد إلى الحد الأدنى من شروط الحياة اللائقة!

السيد الجعفري لا يدين من أوصل أولئك اللاجئين إلى تلك الحالة من الذل والإهانة؟! لم يشر حتى ولا بإصبع خفي إلى من جعل هؤلاء اللاجئين لاجئين، وجعلهم يعانون ضيق الخناق على كرامتهم في سبيل توفير العلاج لجرحاهم في المشافي اللبنانية التي إن استضافت بعضهم، فقد امتنعت عن استقبال البعض الآخر، وفي سبيل الحصول على المأكل والمشرب إلا بما تتصدق به المنظمات الإنسانية الموجودة على حياء هناك وبعض المحسنين!

من جعل هذه الأسر السورية التي لا تملك حولاً ولا قوة في مسار سيناريو الأحداث السياسية وقوداً لتلك النار المستعرة؟!

لماذا لم يتحدث عن المتسبب بوجود اللاجئين قبل أن يتحدث عمّن يسلّحهم، ويدفعهم «إلى العودة» إلى أراضيهم مرّة أخرى؟!

الإعلام الرسمي السوري يتهم الثوار بإخراج تلك الأسر الكريمة من بيوتهم، وهم (أي الثوار) أولئك الوحوش الذين عُدِموا أبسط مقومات النبل والإحساس الآدمي، وتسببوا في تشريد تلك الأسر التي كانت آمنةً في منازلها، إذا صحّت تلك الرواية، (ولنفترض جدلاً أنها صحيحة) فما الذي يغيظ الجعفري من تسليح القادر من هؤلاء اللاجئين ليعود مدججاً بالسلاح ليساند النظام في محاربة أولئك المارقين الشرسين، عديمي الرحمة.

كان أولى بالنظام السوري أن يصدر شهادة فخرية لأولئك الذين يمدّون اللاجئين بالسلاح بدلاً من أن يضعهم في قفص الاتهام، فهؤلاء المتهمون منحازون تماماً للنظام السوري بلا أدنى شك، ويعبّرون عن انحيازهم ذلك بالفعل ليس بالكلام الذي لا يسمن ولا يغني من جوع. هؤلاء (الذين لا علاقة للحكومة اللبنانية الرسمية بهم باعتراف الجعفري) هم من يدعم النظام السوري على دحر الإرهابيين بيد الذين وقع عليهم ظلم أولئك الإرهابيين مباشرة، هم من يدعم نظامه لا أولئك الذين يفتعلون الحماسة ونصرة النظام السوري أمام الميكرفونات وهم جالسون على الكراسي، إذا كان هؤلاء اللاجئون يعرفون تماماً وجه قاتلهم، فلماذا يخاف الجعفري انتقامهم؟! وإذا كانوا يعرفون تمام المعرفة ملامح من أخرجهم حفاة عراة ينتظرون نظرة شفقة تقع عليهم لعلها تسترهم، وإذا كانوا سيعاقبون أولئك «الجماعات الإرهابية» التي روّعتهم وعفّرت إنسانيتهم وكرامتهم بالوحل، فلماذا يزعج ذلك السيد الجعفري ويجفله؟!

لم أفهم حديث السيد بشار الجعفري عن تلك الأطراف اللبنانية التي تسلّح اللاجئين السوريين..!

أما ثاني أكثر حدث عصياناً على فهمي خلال الأحداث السورية الأخيرة، فهو موقف لقناة «العربية» خلالها.