التغريدة التي كتبها أحد المغردين بحق الرسول الكريم أقل ما يقال عنها إنها قلة أدب وسفالة وانحطاط، وهي كغيرها من التغريدات "الواطية" التي يظن كاتبوها أنها تندرج ضمن حرية الرأي، وأنهم أحرار في قول ما يريدون دون قيد أو شرط، ويعتبرون الإساءة إلى معتقدات الغير حقاً من حقوقهم، وهو فهم خاطئ وساذج، فحتى في أكثر الدول تحضراً وديمقراطية وحرية لا يدخل أي خطاب عنصري مسيء إلى أديان الآخرين ضمن حرية الرأي، بل يعد جرماً ينال قائله من الجزاء ما يستحقه مهما كانت الأسباب الداعية إلى مثل ذلك القول الأحمق والأرعن!

Ad

والذين غضبوا نصرة للرسول الكريم لهم كل الحق في ذلك، ومطالبتهم بمعاقبة من أساء إلى رسولهم مطالبة مقبولة ومعقولة، وهي رد فعل طبيعي ومنطقي قياساً بحجم الإساءة الواردة من مغرد "أخذ راحته" عالآخر في الطعن بعرض الرسول دون أدنى اعتبار لمشاعر الناس من حوله، وهم الذين يقدمون رسولهم في الحب على أمهاتهم وآبائهم وأبنائهم جميعاً!

أقول إنه غضب طبيعي ومنطقي، لكن غير الطبيعي والمنطقي هو سيطرة هذا الغضب على بعض النواب الذين، وهم في فورة غضبهم، قرروا تشريع قانون لإعدام كل من يسيء إلى الرسول وزوجاته وأصحابه، وهو تشريع يغلق باب التوبة على أي مسيء ويجعله يدفع حياته ثمناً للحظة غباء أو طيش، كما يضع الجميع في سلة واحدة، الشاب الصغير والطاعن في السن، من يفعلها ساخراً هازئاً ومن يفعلها في لحظة يأس وقنوط أو فورة غضب، وكذلك يتساوى فيه التائب والمستغفر لله مع المصر والمستمر في الإساءة!

ولو كان الرسول بيننا لما أقر قانون الإعدام هذا، فقد تحمل الأذى من قريش وأهلها الذين لم يتركوا فيه شيئاً يقال لم يقولوه عنه طوال 13 عاماً من الدعوة بينهم، فلما تم له الأمر قال لهم وهم يحسبون أنه باطش بهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء"، وكذلك أهل الطائف حين ذهب يدعوهم فسلطوا عليه صبيتهم وسفهاءهم ووقفوا له صفين يلقونه بالحجارة حتى سال دمه الزكي، فأرسل الله له ملك الجبال يقول له: "إن شئتَ أن أُطبق عليهم الأخشبين"، فما كان من الرسول الكريم إلا أن قال: "بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئاً"، بل تمعن في سلوكه مع من طعن في عرضه في حادثة الإفك فقد اكتفى بجلدهم كعقاب لهم على ما اقترفوه بحقه وحق السيدة عائشة أم المؤمنين ولم يقتل أحداً منهم، فأين نوابنا معلقو المشانق من سماحة الرسول وعفوه وكرمه؟!

لا شك أننا جميعا مع سن قانون رادع لكل من يسيء إلى المعتقدات الدينية، ويشمل ذلك معتقدات المسلمين وغير المسلمين، على أن تكون بالسجن لسنوات عدة أو الغرامة الكبيرة أو كليهما، أما الإعدام فليس له سند دستوري أو ديني يسنده، وهو نتاج ردة الفعل الغاضبة ليس إلا، ولا أحسب أحداً من النواب كان سيطالب به لو كان المسيء أحد أبنائه، بل كان سيتمنى أن يستتاب فيتوب ويُمنح فرصة أخرى للاستقامة والهداية، لا أن يقضى عليه وهو غر ساذج لا يعي ما يقول ويهذر به على صفحات "تويتر"!

أما أسوأ ردود الفعل فكانت تعميم تصرف فردي على طائفة بأكملها، وانتهاز الفرصة لإفراغ الأحقاد الطائفية على طرف عرف عنه عشقه لآل البيت وتفضيله ولايتهم على غيرهم من المسلمين، ثم جر دولة مجاورة في أمر لا ناقة لها فيه ولا جمل، ليدهس ويحرق علمها الذي يتوسطه لفظ الجلالة في فعل أسوأ مما قام به ذلك المغرد، فيا عجباً كيف ينتصر البعض للرسول بحرق لفظ الجلالة الماثل أمام عينيه؟! هل يعبد هذا الحارق الرسول أم الله؟! أم أن الطائفي كائن أعمى لا يرى إلا ما تشير إليه طائفيته به؟! الأرجح أنه كذلك بالفعل!