اقتحام الأتراك الأغنية المصرية... غزو أم موضة؟
بعد طغيان الدراما التركية على الشاشات العربية، بدأت الألحان التركية غزو الساحة الغنائية العربية من خلال تعاون موسيقيين أتراك مع مطربين عرب، ما رسم علامات استفهام حول مدى تأثير الموسيقى التركية على الموسيقى العربية، وإقبال الجمهور العربي عليها.
ظهرت أكثر من تجربة غنائية في الفترة الأخيرة تغلب عليها بصمة تركية، فقد استعانت إليسا بموزعين أتراك في أغنيتي «روحتله» و{متفائلة» في ألبومها «أسعد واحدة»، وقدمت غادة رجب ديو مع المطرب التركي سلامي شاهين وتعاونت مع ملحنَين وموزعَين تركيين هما: عبد الرحمن قزلاي وسميح أردوغان في ألبومها الجديد «صورتي».بدوره أدى راغب علامة دويتو مع المطربة التركية أزكين نوريانجي، وصُوّر الكليب الخاص به في تركيا، كذلك قدم الملحن عمرو مصطفى أكثر من لحن لمطربين أتراك، ويحضّر لحناً جديداً لأغنية «أورجانيك» التي سيؤديها المطرب التركي مصطفى صندل.
تجديد وتغييرلا يعتبر الملحن هاني شنودة انتشار الألحان التركية في الأغاني العربية غزواً لكنه سعي من المطرب نحو التجديد والتغيير، موضحاً أنه خلال رحلة بحث الفنان عن الجديد يضلّ الطريق وقد ينجح أحياناً، ووحده الجمهور يحكم ما إذا كان أصاب الاختيار أو أخطأ، «لذا لا يمكن إصدار حكم عام على هذه التجربة التي قد تُظهر أن الموزعين الأتراك أفضل في توزيع الأغاني من المصريين، وأن المطرب على حق في التعاون معهم، وهو أول من سيعرف نتيجة هذا التعاون من خلال نسبة مبيعات الألبوم الخاص به». بدوره يرى الملحن هاني مهنا أن الأتراك سبق أن تعاونوا مع العرب قبل دخول الدراما التركية بلداننا، وكانوا يستعينون بجمل موسيقية تركية مثلما حدث مع هاني شاكر منذ عشر سنوات عندما استعان بملحن تركي في أغنية له.يضيف مهنا أن الاحتلال العثماني لهذه المنطقة قرّب الحس التركي الموسيقي من الموسيقى المصرية والشرقية عموماً، «لكن تكمن المشكلة في أن الملحنين الأتراك يعتمدون تقنية في التلحين تناسب مطربين معينين ويركزون عليها أكثر من اهتمامهم بالوقفات والنهايات التي نجدها في المواويل والارتجالات الشرقية التي تمس الوجدان، فهم يهدفون إلى الإبهار أكثر من إثارة الإحساس».يعزو مهنا هذا التعاون إلى رغبة المطربين في التجديد من خلال الخروج عن المألوف وتغيير الشكل النمطي للألحان المصرية، مؤكداً أن التواصل مهم ولكن يجب الانتباه إلى عدم ضياع هويتنا العربية.موضة مؤقتةيوضع الناقد إمام عمر أن هذه الظاهرة موضة يجب تدعيمها، ويتساءل: بعدما اعتاد الموسيقيون سرقة ألحان غربية، فما المانع من التعاون بشكل شرعي مع الأتراك؟ يضيف عمر: «لا خوف على اللحن المصري لأنه حاضر في الوجدان وإذا سافرنا إلى تونس أو المغرب فسنجد الناس هناك يستمعون إلى أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، ومحمد عبد الوهاب... لكن للأسف الطرب الأصيل أوشك على الاختفاء، بعد تهافت النجوم على الإيقاع السريع والفقاعات التي قد تضيّع اللحن الشرقي القديم، وتضيع معه الهوية المصرية».يلفت عمر إلى أنه ليس بالضرورة أن نتعاون مع أي أمر يأتي من الغرب ويحذّر المطربين الشباب من الانجراف وراء هذه الموضة حتى لا يكون لها تأثير على الموسيقى العربية، مؤكداً أنها ستنتهي قريباً ولن تحقق النجاح الذي حققته الدراما.في المقابل يعتبر الناقد عصام زكريا أن تعاون بعض المطربين مع الموسيقيين الأتراك طبيعي بعد التدهور الذي شهدته صناعة الغناء بفعل ثورات الربيع العربي، إلى جانب أن الأصوات الموجودة لم تتغير والألحان نفسها، ولم تعد للكليب الجماهيرية نفسها.يضيف: «بما أن دويتو مع مطربين أجانب وهنود لم يلق نجاحاً، وبما أن الدراما التركية رجحت كفتها أمام المصرية والعربية، فكر المطربون في إدخال تغيير وتجديد من خلال هذا التعاون، لا سيما أن التصوير في تركيا مجاني».يوضح زكريا عدم وجود ما يسمى استمرارية في الفن، والتجديد مرغوب لجذب جماهير جديدة، «سيظل التعاون التركي قائماً حتى يستنفد المطربون أغراضهم منه وينتهي، مثلما حدث مع الموسيقى الليبية والنوبية والخليجية والراي الذي طغى لفترة على المطربين وظهر معه الشاب خالد والشاب مامي ورشيد طه، ولكن أين هم الآن وأين الراي؟ كذلك تعاون هشام عباس، على سبيل المثال، مع مطربة هندية وصوّر الكليب الخاص بأغنيته «فينه» في الهند، فنجح وقتها ثم اختفى.توسيع الانتشارتشير الناقدة حنان شومان إلى أنه لا يد للأتراك في هذا الغزو ولكن يتعلّق الأمر برغبة المطربين في توسيع دائرة المستمعين، ويجب تشجيعهم على هذه الخطوة بخاصة إذا كانوا أصحاب مواهب متميزة،تضيف: «تجربة غادة رجب هي الأكثر نضجاً لأنها حاولت استغلال ولع المصريين بالأتراك في شكل إيجابي، فقدمت عملا جيداً لصالح مصر لم يقم به مسؤولو الإعلام فيه، والدليل أن وزير الإعلام المصري عندما اجتمع مع السفير التركي عرض عليه شراء مسلسلات تركية ودبلجتها وعرضها في التلفزيون المصري بدلا من أن يسوّق مسلسلاتنا العربية والمصرية في تركيا».تدعو شومان أنغام وغيرها من المطربين أصحاب الأصوات الأصيلة إلى تقديم أعمال مع فنانين أتراك وإن كان هذا سيدخلهم في مجال أكبر للمنافسة.