اهدأوا وعوا... فإن سيناريو تونس ومصر لن يتكرر في الكويت لأسباب موضوعية عديدة، أهمها طبيعة النظام السياسي ومكمن شرعيته والتركيبة الاجتماعية ومحيطها الجغرافي، فلا حكم أسرة الصباح مستمد شرعيته من انقلاب عسكر أو ثورة يمكن أن ينقلب عليها في الشارع، ولا طبيعة التركيبة الاجتماعية بعد التغييرات، التي طرأت عليها في ربع القرن الماضي، تمكن من إيجاد نظام بديل عنه غير الذهاب إلى "الصوملة" لو تمت خلخلة أو إزالة النظام القائم كما يتمنى البعض، ويخطط له بسطحية وسذاجة مفرطتين.

Ad

اهدأوا وعوا... فإن لقمة مصر لم يستطع الإخوان المسلمون بلعها حتى الآن رغم امتداد قواعدهم وعمقهم التاريخي في موطن الحركة الأم في مصر، فما بالكم بالكويت التي عجز العراق على مدى 50 عاماً عن ابتلاعها، وأودت بنظام صدام حسين المتنمر بإمكاناته وجيشه إلى حتفه، فما بال الإخوان لا يتدبرون ما يمكن أن تفعله لقمتان في وقت واحد من اختناق ربما يؤدي إلى الموت وخسارة مواقع لم يحلموا بها وفرتها لهم السلطة الكويتية على مدى أربعة عقود من مال ونفوذ وحماية وتمكين.

اهدأوا وعوا... فإن الزج بالشباب في الشارع هو أمر عبثي لن يغير شيئاً وسيعرّض الكويت للخطر البالغ في دولة تبلغ نسبة الوافدين فيها أكثر من 60 في المئة، بما يمثله ذلك من مخاطر بإثارة الشغب في الشارع خاصة في ظل تأثر جاليات كبيرة بأجواء ما مرت به دولهم وميلهم إلى محاكاته لأسباب مختلفة على أرضنا، فلا تدمروا البلد بالعناد، وأمنَ أسرنا وأطفالنا بتجربة لا تعون إلى أين ستأخذنا.

اهدأوا وعوا... فإن خطاب 19 أكتوبر الأميري التاريخي وضع النقاط على الحروف، فمن يستطيع أن يشكك في ما ذكره سمو الأمير عن تمزق الروابط الاجتماعية والاصطفافات الطائفية والقبلية والمناطقية، وما تمثله من مخاطر على السلم الأهلي، وما كان يُطرَح من إسفاف وسب وشتائم في قاعة مجلس الأمة والمنتديات العامة ووسائل الإعلام المختلفة على مدى السنوات الأخيرة؟ ألم يكن كل ذلك يستدعي من القيادة السياسية اتخاذ التدابير اللازمة لمواجهتها وعدم تركها تتجدد خلال أربع سنين مقبلة؟ فهل قوانين نبذ خطاب الكراهية ولجنة النزاهة الانتخابية ومكافحة الفساد بما تتضمنه من قانون الذمة المالية وتعديل آلية التصويت لمحاربة القوائم الطائفية والقبلية تمثل انقلاباً على الدستور؟

اهدأوا وعوا... فإن ارتباك التيار الوطني المدني وتضارب أفكاره ومواقفه وعدم تصديه للفوضى المقبلة وحمايته للنظام المؤسسي الديمقراطي الذي صنعه بكفاحه وجهود رجالاته المؤسسين لن يعيده إلى المربع الأول الذي هو فيه بالفعل بل سيسقطه إلى ما دون ذلك، وسيشتت ما بقي من إطار يجمع القوى المنظمة المتبقية منه لتسود، كلياً، قوى التشدد الأصولي وأصحاب الحسابات المصلحية الخاصة، لذا فإن العودة للحق وصوت العقل الذي يجسد حالة المصلحة الوطنية ما زالت بأيديكم ومتناولكم، فلا تضيعوها بحسابات خاطئة كما تعودنا منكم منذ سنوات.

اهدأوا وعوا... فإن ما تفكرون فيه وتتوقعونه من فوضى وانقضاض تليها عملية فرض مطالبكم لن تحدث فهناك إرادة من الدولة على مواجهة العنف ومن يريدون فرض الأمر الواقع في الشارع، وتسند إرادتها للمواجهة بالقانون وسلطة الدولة شعبيةٌ كاسحةٌ غير مسبوقة للنظام ضد حالة الفوضى ولغة التهديد والتجاوز والإسفاف، فلا تقذفوا بمزيد من الضحايا إلى مرجل آلة تحقيق الطموح الشخصي والحزبي، فمآلها الضياع والحسرات ودمار البلد.

فاهدأوا وعوا واعقلوا... وانتهوا عما تضمرونه من خراب وعبث للديرة عبر ما تسمونه بـ"مسيرة الكرامة"!