عندما سئل ديفيد روثكوف، مسؤول أميركي سابق في عهد بيل كلينتون، عن تأثير الهاوية المالية في المقاربات الخارجية الأميركية، أجاب مازحًا: "لو اعتُقلت ليندسي لوهان مرة أخرى غدًا، فهل يبدل ذلك رأينا فيها؟". تُعتبر الهاوية المالية أزمة اختيارية لا ضرورية. لذلك يستطيع السياسيون الأميركيون تناولها بشيء من الفكاهة، لكن ذلك لا ينطبق على المسائل الشائكة الأخرى التي يواجهها باراك أوباما في الخارج.

Ad

في هذه المرحلة التي تصب فيها واشنطن كل اهتمامها على نفسها، يواجه أوباما مجموعة كبيرة من المخاطر الحقيقية في أنحاء العالم المختلفة. وسواء كان عام 2013 عام إيران أو سورية أو مصر أو كوريا الشمالية أو أفغانستان أو مزيج من هذه كلها، تسير كل من هذه المسائل وفق توقيتها الخاص. وقد يتبين لنا أن واحدة أو اثنتين منها، خصوصاً إيران، قنبلة موقوتة، لكن المؤسف أن الخلاف بشأن سحب سوزان رايس ترشيحها لمنصب وزيرة الخارجية الأسبوع الماضي يشير إلى أن أوباما سينشغل لبعض الوقت بشؤون واشنطن الداخلية، التي تبدو بعيدةً عن الحل.

من المحتمل أن يعلن أوباما قريباً اختياره جون كيري ليحل محل هيلاري كلينتون، ولكن حتى لو كان مرشح أوباما يلقى قبولاً واسعاً، فلن ينتهي مجلس الشيوخ من هذه المسألة قبل شهر يناير. وقد لاحظ الدبلوماسيون الأجانب، الذين رأوا لافتة "نرجو عدم الإزعاج" معلقة خارج باب البيت الأبيض طوال الجزء الأكبر من السنة الحالية، أن هذه اللافتة لا تزال مكانها رغم مرور ستة أسابيع على الانتخابات. يحاول أوباما صب كل نفوذه على مسألة الهاوية المالية وما بعدها، علماً أنه بذلك يخاطر بإبعاد مستشاره الأقرب في شؤون السياسة الخارجية، لكن الأهم من ذلك أن انشغالاته هذه ستسهلك الوقت المتاح أمامه.

بات الوقت حرجاً، خصوصاً في الشأن الإيراني، ولكن من الصعب العثور بين المطلعين على شؤون السياسة الخارجية في واشنطن على مَن يدّعي أنه يعرف استراتيجية إدارة أوباما. يفترض البعض أن البيت الأبيض قد أنشأ قناة حوار سرية مع طهران يقودها سياسي مثل توماس بيكرينغ، مبعوث وزارة الخارجية المخضرم. إن صح ذلك، فهذه خطوة مطمئنة، لكن هذا يبقى مجرد أمل أكثر منه توقعاً. في المقابل، يعبر آخرون عن قلقهم من افتقار أوباما لاستراتيجية تواصل حقيقية.

لا تتمحور هذه المخاوف حول مسألة بسيطة لا تداعيات خطيرة لها، ففي الشهر المقبل، من شبه المؤكد أن بنيامين نتنياهو سيُنتخب مجدداً كرئيس وزراء إسرائيل، فيحظى بذلك بتفويض يضمن له أن تكون سنة 2013 "سنة المواجهة مع إيران"، كما ردد قبل أيام. خلال الانتخابات الأميركية، تمكن أوباما بطريقة ما من إقناع نتنياهو بالالتزام بلافتة "نرجو عدم الإزعاج". ولكن من المؤكد أن نتنياهو سيُقلق نوم أوباما بدءا من الشهر القادم، ولم يتضح بعد ما إذا كان الرئيس الأميركي في موقف يتيح له كبح وتيرة تطور الأحداث التي يرغب فيها نتنياهو.

من الواضح أن التاريخ، الذي تحدد فيه إسرائيل أن إيران تجاوزت الخط الأحمر وامتلكت قدرة على تخصيب اليورانيوم إلى نسب تُستعمل في صنع الأسلحة، بالغ الأهمية. تتراوح التوقعات بشأن هذا التاريخ اليوم بين مارس وديسمبر، لكن الأهم يبقى: هل تكون إدارة أوباما بحلول هذا التاريخ قد مهدت لأي حل منطقي غير الحرب؟ بخلاف انتقاء توجيه ضربة عسكرية من لائحة خيارات وزارة الدفاع الأميركية، لا يستطيع أوباما بكبسة زر أن يقدم بديلًا، لا سيما استراتيجية لاحتواء دولة إيرانية نووية، بل يتطلب هذا دبلوماسية معقدة كما استراتيجيات كيسنجر. ويستصعب مَن يعرفون أوباما جيداً أن يتخيلوا أنه قد يطبق فعلاً الخيار العسكري، الذي التزم به ضمنياً. فإن أخفق هجوم الولايات المتحدة على إيران أو خرجت التطورات عن السيطرة، فقد يخرب ذلك كل القضايا الأخرى الواردة على أجندته، بما فيها تعافي الاقتصاد الأميركي. كذلك قد يفسد محاولات نشر الاستقرار في سورية وآمال دفع الرئيس المصري محمد مرسي نحو ما قد يشبه الديمقراطية، هذا إن لم نأتِ على ذكر ما تبقى من وحدة في العراق وأفغانستان أو جولته في آسيا.

حتى لو سار الهجوم على إيران كما هو متوقع، فلن يحقق أي هدف غير تأخير برنامجها النووي لبضع سنوات، وقد يزيد هذا الهجوم من تصميم إيران على المضي قدمًا في برنامجها النووي. فكما يُقال، لا يمكن قصف المعرفة، بالإضافة إلى ذلك، لا يقدم تأرجح أوباما في شؤون الشرق الأوسط الدبلوماسية تطمينات تُذكر إلى أنه يعد جهوداً قد تمكنه من تفادي حرب الولايات المتحدة الثالثة ضد دولة إسلامية في غضون عقد من الزمن. ولا شك أن هذه المخاوف ستتنامى بالتزامن مع القلق من الهاوية المالية خلال الأسابيع المقبلة.

يشير مَن يأملون تفادي الحرب إلى معارضة كاري المتشددة لغزو العراق (مع أنه أيد هذا الغزو خلال عملية التصويت عام 2002). كذلك يشددون على مؤهلات تشاك هيغل، سيناتور جمهوري سابق، فضلًا عن احتمال تولي وزارة الدفاع الأميركية مسؤول انفصل عن جورج بوش الابن عقب غزو العراق. ويتحدث هؤلاء أيضاً بالطريقة عينها عن توم دونيلون، مستشار أوباما لشؤون الأمن القومي الذي يُحتمل أن يحتفظ بمنصبه.

لكن كلامهم هذا يبدو مبالغة في تحليل التعيينات المحتملة في ولاية أوباما الثانية، فبخلاف طبول الحرب التي قُرعت قبيل غزو العراق، لا تأتي الضغوط الأساسية لتوجيه ضربة إلى إيران من واشنطن. رغم ذلك، تُعتبر الولايات المتحدة الدولة الوحيدة التي تملك القوة لتحول دون هذه الضربة. ويشكل إرساء وضع يصبح فيه الحوار الأميركي- الإيراني ممكناً (سواء كان ثنائياً أو في منتدى كبير) نوعاً من الاختبار لأوباما. وسيواجه هذا الأخير أيضاً عقبة أخرى، إذ سيُضطر إلى تقديم ضمانات أمنية أميركية تؤكد للمملكة العربية السعودية ومصر وتركيا وغيرها أنه هو صاحب القرار بشأن الاحتواء النووي. فلا يمكنه التلاعب بسهولة بآية الله خامنئي أو بنتنياهو. لذلك، على أوباما بذل جهود حثيثة، فالكثير يتوقف على إقدام فريقه على العمل بإلحاح وفاعلية.

* إدوارد لوس | Edward Luce