حتى يفعل هذا الذي يفعله وحتى يتصرف بهذه الطريقة فإن محمد مرسي إمَّا أنه لم يصدِّق بعد أنه أصبح رئيساً لمصر، هذه الدولة ذات الماضي التليد والعريق والتي بقيت قائمة على التعددية وتعايش الأعراق والأجناس، لذا لايزال حزبياً منضبطاً ملتزماً بالطاعة والولاء لحزبه ويغلِّبُ مصالحه التنظيمية والسياسية الضيقة على كل المصالح الوطنية، أو أنه "يحتلُّ" القصر الرئاسي، لكنه لا يحكم بل تأتيه التعليمات "معلَّبة" من المرشد الأعلى محمد بديع الذي له السمع والطاعة والذي لا قرار إلا قراره.

Ad

ربما كان محمد مرسي، بعيداً عن الكاميرات مثله مثل كبار قادة "الإخوان المسلمين" في مصر وفي غيرها، عندما يرى المرشد العام لا يتردد في أن يندفع إليه ويلتقط يده بخشوع الأولياء الصالحين ليقبِّلها مثنى وثلاث ورباع، بينما محمد بديع مسترخٍ باستمتاع وارتياح على أساس أن تقبيل يده باطنها وظاهرها واجب ديني وفرض كالفرائض الأخرى، وحقيقة فإن هذه عادة غير موجودة إلا في الفاتيكان وإلا في إيران بعد انتصار الثورة الخمينية.

في إيران هناك وليٌّ فقيه هو علي خامنئي الذي هو الثاني بعد الإمام الخميني، والمعروف أن للوليِّ الفقيه، حسب صفي الدين أردبيلي، الذي حوَّل أذربيجان عن المذهب السني إلى المذهب الجعفري الإثني عشري، وحسب مُنْشئ الدولة الصفوية إسماعيل الصفوي، عصمةَ الأنبياء، وأن طاعته واجبة وأن تقبيل يده ضرورة إيمانية، وهذا لا ينطبق، لا على الإسلام السني الذي لا كهنوتية فيه ولا عبادة فردٍ والطاعة بالنسبة إليه هي لله الواحد الأحد، ولا على الشيعة الجعفرية التي ترفض ولاية الفقيه من أساسها وتعتبرها استبداداً دينياً، وأنه لا ولاية على الأمة إلا نفسها ومن خلال الانتخابات الحرة والديمقراطية.

المعروف أن المرشد العام محمد بديع هو أحد تلامذة سيد قطب، وأنه لايزال مخلصاً لأفكاره وتوجهاته، ولهذا فإنه في حقيقة الأمر يرفض الديمقراطية حتى داخل تنظيم "الإخوان المسلمين" نفسه، وأنه ضد التعددية وضد الاعتراف لغير "جماعته" بأي دور، وبالتالي فإنه يَعتبر رئيس الجمهورية مجرد واجهة لهذه الجماعة، وأن عليه السمع والطاعة والإطاعة بدون نقاش أو اعتراض، على اعتبار أنه مجرد ضابط تنفيذي أمام الجنرال الأعلى الذي يحمل كتفه نجوم المارشالية.

لو كان محمد مرسي رئيساً فعلياً لمصر كلها وقائداً للشعب المصري بأسره ما تصرف بهذه الطريقة وما تعامل مع المرشد العام على أساس أنه الولي الفقيه وما أقحم بلداً، له هذا التاريخ العريق والطويل وله هذه المكانة الدولية والعربية والذي يواجه من الأساس مستجدات صعبة وقاسية، في هذه الأزمة الطاحنة، وما غلَّب المصلحة الحزبية على المصلحة الوطنية، وما وضع أمانة منصب الرئاسة التي وضعها شعب مصر في عنقه بين يدي محمد بديع الذي قد يكون وليّاً ولكنه غير فقيه.