الزمن الجميل

نشر في 26-04-2012
آخر تحديث 26-04-2012 | 00:01
No Image Caption
 يوسف عبدالله العنيزي خلال الأيام الماضية تشرفت مع بعض الإخوة السفراء السابقين بمقابلة نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية وزير الدولة لشؤون مجلس الوزراء الشيخ صباح الخالد الحمد الصباح حفظه الله.

وأحب بدايةً أن أؤكد أني قد استأذنت منه بأن أتطرق لبعض ما جاء في اللقاء في مقال قادم، وقد تفضل بالموافقة، مضيفاً بأنه "لا يأتي منك إلا كل خير"، لن آتي بجديد عندما أؤكد أن الشيخ صباح الخالد يتميز بتواضع جم وأخلاق رفيعة؛ مع رقي في الحديث والطرح يتفق معي في ذلك كل من التقى معه، حيث إنه يشعرك بقربه منك وقربك منه.

لذا فقد كان الحديث ذا شجون، جال في آفاق واسعة ورحبة عن الماضي الجميل في بداية عملنا في وزارة الخارجية عندما كان حماس الشباب في "مرحلته الأولى" يدفعنا إلى تحمل الكثير من المسؤولية، التي كانت في تلك الأيام غاية في الخطورة في ظل أوضاع وتطورات متسارعة؛ ابتداءً من الحرب العراقية الإيرانية مروراً باختطاف الطائرة الجابرية، ثم الغزو العراقي الغادر الذي كان درساً فاق في قسوته كل ما يمكن أن يمر بتاريخ الدول والشعوب. كان عدد موظفي وزارة الخارجية في ذلك الوقت لا يتجاوز خمسمئة موظف، ما بين موظفي الديوان أو البعثات، وقد تجاوز العدد الآن خمسة آلاف، مع الأخذ في الاعتبار زيادة عدد بعثاتنا. تحدث الوزير بأسى وحرقة عن الأوضاع والتحديات الداخلية التي تجاوزت الحد إلى الدرجة التي انشغلنا بها عما يدور من حولنا من أحداث ستؤدي بالضرورة إلى تأثيرات إيجابية أو سلبية فينا، وتعيد تكوين شكل المنطقة وترتيبها.

تم طرح فكرة مساواة السفراء المتقاعدين بزملائهم من القياديين في جهات أخرى في الدولة، وذلك بالنسبة إلى مكافأة نهاية الخدمة؛ وذلك نظراً لما يمثله العمل الدبلوماسي من مخاطر وظروف صعبة قد تصيبه وأهله بالأذى، وقد أبدى الوزير تفهماً كبيراً للموضوع ووعد بإعطائه كل الأهمية والتقدير، وكان لذلك أثره الطيب في نفوسنا مع الكثير من التفاؤل بأن الموضوع بأيدٍ أمينة وقادرة.

بعد اللقاء طاف بخاطري الحنين إلى الأيام الخوالي، فأخذت بالتجوال في ممرات وزارة الخارجية، فعادت بي الذاكرة إلى الزمن الجميل عندما كنا نواصل الليل بالنهار في عمل متواصل، وكثيراً ما كنا نتناول طعام العشاء في المكاتب.

تعلمنا الكثير من عمالقة وزارة الخارجية آنذاك أمثال الأساتذة راشد الراشد، وعبدالله زكريا الأنصاري، وعبدالمحسن الدويسان، وسعود العصيمي وغيرهم الكثير ممن كانت سفينة الدبلوماسية تبحر بهم بقيادة شيخ الدبلوماسية وأميرها سمو الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح حفظه الله ورعاه... ومن خلالهم عرفنا الدبلوماسية فعشقناها ومازال الحنين يشدنا إليها.

كم يؤلمنا ما نشهده من هجوم واستهداف لوزارة الخارجية ورجالها في الوقت الذي تتطلب أن يكون هناك دعمٌ قويٌ لا محدود لدورها في ظل ظروف غير عادية تحيط بنا، فيجب ألا يكون دور الكويت مغيباً أو مهمشاً؛ وذلك بانشغالنا في أمور وقضايا داخلية يمكن فك طلاسمها دون إدخال الدولة في دوامة من الصراع. كم نحن بحاجة إلى تدعيم بعثاتنا في الخارج بعناصر قادرة ليس على قراءة ما يدور من أحداث في الدول المعتمدين فيها فقط، بل على استشفاف الأحداث القادمة.

هناك عدد من الشباب الدبلوماسي مجمد في دول دورها محدود على الساحة العالمية، فما الذي يمنع من الاستفادة منهم في أماكن أخرى أكثر أهمية، وهنا تبرز أهمية تفعيل دور المعهد الدبلوماسي في خلق كوادر مميزة مع الاستفادة بلقاءات مكثفة بين طلبة المعهد والسفراء والدبلوماسيين العاملين الذين سيكونون أكثر قدرة على إعطاء تجربتهم من الأكاديميين، مع كل الاحترام والتقدير للجميع.

كل الحب والتقدير للشيخ صباح الخالد على إتاحته هذه الفرصة الرائعة، مؤكدين له أننا على العهد، مع دعائنا له بالمزيد من التوفيق والنجاح.

وليحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.

* سفير كويتي سابق

back to top