كما أن ما تم لم يكن سهلا، فما سيحدث– إن شاء الله- لن يكون أيضا يسيراً، فالمعوقات كثيرة والصعوبات كبيرة، فالنظام السابق مازال يحاول- حلاوة الروح كما نقول- وضع العراقيل والمعوقات عقاباً للشعب الذي تجرأ و قام بثورته، ولكن إيمان الشعب بقدره وقدرته على التحكم بمصيره كافٍ للقضاء عليها.

Ad

من يعتقد أن ما حدث في مصر مجرد تحول ديمقراطي للحكم أو بداية للجمهورية الثانية، أو تولي شخص مدني لرئاسة الجمهورية بعد 60 عاما من حكم العسكريين، أو انتقال سلمي للسلطة إلى آخر ما نسمعه ويطلقه البعض، تعليقا على نتيجة الانتخابات الرئاسية وتولي الدكتور مرسي رئاسة الجمهورية.

من يختزل ما حدث في هذه التعليقات فهو إما لا يدرك حقيقة ما حدث، وإما يتجاهل واقع ما كان، والذي يؤكد أن ما حدث أكبر بكثير من كل هذه التعليقات، رغم صدقها، وأعظم من كل «المانشيتات»، رغم واقعيتها، فما حدث بصراحة شديدة هو بعث جديد للشعب المصري.

ما حدث أشبه باستيقاظ أهل الكهف الذين تيقن الجميع من وفاتهم، فإذا بهم يُبعثون من جديد، فقد عانى الشعب في السنوات الأخيرة الظلم والفساد والدكتاتورية والقمع في أبشع صوره، والإذلال من جانب حكامه وتهميش دوره، وإن شئت الدقة فقد عانى المصريون جميعا حالاً من «اللامواطنة»، فلم يكن هناك من يشعر بأهميته كمواطن أو بدوره في بناء بلده، أو أن له حقا في بلده.

وبدا أن الجميع تيقن من موت الشعب المصري ونهايته، وأخذ البعض يعد العدة لخلافة مصر، ووضعت الخطط والسياسات من جانب دول عربية لأن تحل محل مصر وتشغل مكانها، وتتولى القيادة بدلا منها، وأيقن البعض كذلك أن الشعب المصري لن تقوم له قائمة، ولم يتبق سوى تشييع الجثمان، وأن مصر ماضية إلى زوال، هكذا كانوا يتوهمون أو يحلمون ويتمنون. ولكن انتفض المارد وانطلق الشعب المصري محطما كل القيود والأغلال، باعثا ثورة هي درس تاريخي لمن يريد أن يتعلم مطلقا صرخة اهتز لها العالم بأسره، وكانت البداية في 25 يناير 2011، وظن البعض أن النهاية في فبراير 2011 بعد خلع مبارك، ولكن ذلك لم يكن سوى الحلقة الأولى من مسلسل الإبهار والإنجاز للشعب المصري، وتوالت الحلقات إلى أن انتهت المرحلة الأولى، فقط بانتخاب الدكتور مرسي رئيسا للجمهورية.

بالتأكيد لم يكن الأمر سهلاً، ولن تكفي مفردات الفخر للتعبير عنه، فمن ينظر الآن إلى ما حدث في عام ونصف فقط، وكيف كانت العلاقة بين الشعب ونظام الحكم، وكيف تبدلت لا يمكن أن يقول إلا كلمة واحدة، وهي أن ما حدث «معجزة بشرية» يندر تكرارها.

يكفي أن نشاهد كيف جاء حاكم باختيار الشعب وإرادته، وكيف تحول نظام الحكم إلى نظام يخدم الشعب لا نظام يجعل المواطن خادما له... نظام يعلو بالشعب ولا يعلو فوقه، نظام يفدي الشعب بعقله وعدله لا يفديه الشعب بروحه ودمه.

قد يعتقد البعض أن ما أقوله تمنيات وأحلام لم تتحول إلى واقع بعد، والرد ببساطة ومن كان يرى ما تحقق في عام ونصف إلا سرابا وأوهاماً، ولكنه صار حقيقة ماثلة للجميع، وكما أن ما تم لم يكن سهلا، فما سيحدث– إن شاء الله- لن يكون أيضا يسيراً، فالمعوقات كثيرة والصعوبات كبيرة (سنتناولها تفصيليا في مقالات قادمة)، فالنظام السابق مازال يحاول- حلاوة الروح كما نقول- وضع العراقيل والمعوقات عقاباً للشعب الذي تجرأ و قام بثورته، ولكن إيمان الشعب بقدره وقدرته على التحكم بمصيره كافٍ للقضاء عليها.

وختاما نتذكر ما أنشده حافظ إبراهيم على لسان مصر تعبيرا عن فرحة الشعب وإيمانه بثورته:

نظر الله لي فأرشد أبنائي فشدوا إلى العلا أي شـــدّ

إنما الحق قوة من قوى الديان أمضى من كل أبيض وهندي

قد وعدت العلا بكل أبي من رجالي فأنجزوا اليوم وعدي

وارفعوا دولتي على العلم والأخلاق فالعلم وحده ليس يجدي

وكان قد بدأها بقوله:

أنا تاج العلاء في مفرق الشرق ودراته فرائض عقدي