جاسم القطامي... قدوة صعب تكرارها
في طريق بناء المجتمعات يصادفك أشخاص ترتبط مسيرتهم بتفاصيل بناء ذلك المجتمع فيصبحون جزءاً منه حتى أنك لا تتخيله بدونهم، كان جاسم القطامي، رحمه الله، من أولئك الأشخاص، ظاهرة اجتماعية أكثر منها سياسية فقط، بل إن أديبنا الكبير الراحل خالد سعود الزيد يقول عنه إنه "كان ثالث ثلاثة قدر لهم أن يحملوا الراية ثابتين أقداماً في مضيق كثيراً ما زلت فيه أقدام الرجال"، وهم جاسم القطامي والشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، (أمير الكويت من 1950 وحتى 1965)، ود.أحمد الخطيب أطال الله في عمره. لقد مثل السلوك السياسي لجاسم القطامي ورفاق دربه دليلاً قاطعاً على الإسهام المحلي في مسيرة المجتمع الكويتي. فعلى الرغم من أن البعض طرح رؤية تكاد تلغي أي دور محلي في الحراك السياسي، وتركز فقط على العامل الخارجي، إلا أن قراءة سريعة لإسهامات جاسم القطامي تجعلنا دون مشقة ندرك الدور الفاعل للعامل المحلي في التطور السياسي، بل إن جاسم القطامي النموذج قد أعطانا إطاراً عاماً لفهم ما جرى وكيف جرى، فكانت استقالته من منصبه كمدير عام للشرطة في الكويت عام 1956 رافضاً التصدي للمظاهرات التي خرجت تأييداً ودعماً لمصر والرئيس جمال عبدالناصر الذي أمم قناة السويس، وما تلا ذلك من عدوان ثلاثي على مصر. نصت الاستقالة على التالي: "سعادة الرئيس (كان حينها الشيخ صباح السالم رحمه الله) كان بودي الاستمرار بعملي كمدير لشرطتكم الموقرة بيد أن اختلافي مع سعادتكم في مسائل جوهرية تتعلق بحرية الشعب وكرامته، مع أنني لا أستطيع أن أحارب هذه الأفكار التي أنا شخصياً مؤمن بها ومستعد للتضحية بالنفس والمال في سبيل استمرارها وبلوغ ما تصبو إليه، لهذا كله أرجو قبول استقالتي والله يحفظكم".
ويقول في حديث خاص حول الاستقالة التي التزم بعدم نشرها حتى 1981، إنه لم يقدر أن يناقض نفسه، فهو الذي أرسى مبدأ الشرطة في خدمة الشعب وها هي الحكومة تصدر أوامرها بالتصدي للشعب، فكيف أناقض نفسي بنفسي.ويستطرد: "لقد حاولت تجنب الصدام من خلال السماح للمظاهرات بالمضي في مسيرتها تحت حمايتنا، حيث إنها كانت تظاهرات سلمية يعبر فيها الشعب عن رأيه دون استخدام العنف، ولكن الأوامر كانت واضحة، فلم أجد بداً من الاستقالة، ولو كنت بقيت في مكاني لخسرت الناس، وقبل هذا أكون قد خسرت نفسي ومبادئي"، هكذا كان الرجل وهكذا كان الفعل وهكذا كان قدوة تتجاوز بمراحل الفكرة السياسية، لتصنع إنساناً. وللحديث بقية...