لسنوات طويلة ظل جاسم القطامي هو وحرمه المصون يخفيان حجم المبالغ التي يتبرعان بها لتمويل المنظمة العربية لحقوق الإنسان، حتى تم اكتشاف ذلك في الجمعية العمومية الخامسة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان التي حضرتها، بعد إلحاح مجموعة من الأعضاء العرب.

Ad

أعتبر نفسي من الجيل المحظوظ الذي تمكن من العمل المباشر مع شخصيات وطنية عملاقة، مثل العم جاسم القطامي الذي انتقل قبل أيام إلى جوار ربه، فقد تشرفت وما زلت أفخر بالعمل تحت رئاسته في مجلس إدارة الجمعية الكويتية لحقوق الإنسان خلال الفترة من 1999 حتى 2001 في حقبة العناد الحكومي لإشهار أي جمعيات جديدة.

ولا أنكر أن شهادتي في القطامي مجروحة لأبعد الحدود، لمحبتي وتقديري الفائقين له، ولكنها تبقى شهادة من شاهد عيان رأى الوجه الإنساني للقطامي في أعمق حالاته، والإخلاص المتواصل للقومية العربية في أتعس أيامها.

الدرس الأول من "المعلم" جاسم القطامي كان في اليوم الأول في الجلسة الأولى، تقدم أحد الأعضاء برأي اجتهد فيه، يتمثل بأهمية ضم أحد المرشحين الخاسرين في انتخابات الجمعية عبر مقاعد التعيين التي وجدت في النظام الأساسي القديم لتدعيم مجلس الإدارة بأصحاب الخبرات من مختلف المجالات، رد القطامي بعد أن استمع لمختلف الآراء على ذلك المقترح هو "كيف نخالف رأي أعضاء الجمعية العمومية التي أعفت أحد المرشحين من تحمل المسؤولية ونأتي به رغما عنهم؟"، من يومها وهذه الكلمات محفورة في ذاكرتي وأسترجعها كلما دعت إليها الحاجة، فهي تعبير بليغ عن فهم الديمقراطية وكيفية احترام إرادة الناخبين.

وتولى العم جاسم القطامي رئاسة المنظمة العربية لحقوق الإنسان لعدة سنوات، أي أنه في عرف الدول التي تقدر أهمية تلك المناصب حقق مكسباً مهماً للكويت، ولكن عقلية "العناد" والثارات السياسية لم تستوعب أن شخصية نافذة مثل القطامي قادرة على تقديم صورة أكثر حيادية عن أوضاع حقوق الإنسان في الكويت؛ كونها أتت من طرف غير رسمي، بدلاً من "عكّ" بعض التقارير الدولية المنشورة عن الكويت، ولقد شهدت بعيني الجهد الذي بذله الزملاء آنذاك في "تصحيح" المعلومات المغلوطة، أو التي لا تنتمي إلى غير الجهل بأحوال الكويت، والتي تعيب عليها عدم انتخاب رئيس الدولة، وكأن نظام الكويت جمهوري!.

ولسنوات طويلة ظل جاسم القطامي هو وحرمه المصون يخفيان حجم المبالغ التي يتبرعان بها لتمويل المنظمة العربية لحقوق الإنسان، حتى تم اكتشاف ذلك في الجمعية العمومية الخامسة للمنظمة العربية لحقوق الإنسان التي حضرتها، بعد إلحاح مجموعة من الأعضاء العرب، ولن أبالغ حينما أقول إن الشريان الرئيسي للمنظمة كان يأتي كهبة من القطامي وحرمه.

وفي وجهه القومي العربي الناصري قدّم القطامي لي صورة العروبي الذي يفخر بقوميتة العربية دون ترفع على بقية القوميات الأخرى، وكان يردد بكل إيمان "ولقد كرمنا بني آدم"، وقد ساهم هو ومجموعة من رفاقه القوميين في شق طريق جديد نحو النضال القومي من خلال تأسيس مركز دراسات الوحدة العربية، الهدف منه نشر الوعي الوحدوي بالدراسات والأبحاث، ورغم اتساع هذه الرؤية وبعد الحلم ظلت الكويت في قلب جاسم القطامي هي الأولى، أرادها دوما ديمقراطية حرة مستقلة تصان فيها كرامة الإنسان وأي إنسان.

لا يتبقى لي في الختام، وهناك الكثير سوى ذكر أنني لم أشعر طوال فترة قربي من العم جاسم القطامي بحواجز السن أو المكانة لشدة تواضعه ورحابة صدره وحرارة تواصله.

رحم الله جاسم القطامي، وأسكنه فسيح جناته، ونسأله أن يهبنا شطراً من صلابته وعوداً من شكيمته وشعرة من نبله.