لا جديد إن قلت إن للحياة معنى مختبئا لا يظهر للعيان... ولا جديد أن قلت أيضاً إن وراء هذه الحياة العظيمة بكل ما ترفل به من سحر وغموض سرّ كامن في الأعماق لا يدركه كل بصر ولا تفقهه كل بصيرة... وربما لا جديد إن قلت إنه فقط من يفهم ذلك السر العميق للحياة يستطيع أن يعبر جسر الحياة مطمئنّا... وأنه فقط ذلك الشخص الذي يمكنه أن يحس نعمة الحياة ويعيش تفاصيلها الغنيّة، وهو فقط من يستطيع أن يفرح بكل ما تجود به الحياة من هدايا قيّمة وثمينة!

Ad

ويبقى سؤال المليون هو: كيف نصل لذلك السر العميق لكي نتمكن من الاستمتاع بهذه الحياة المحدودة والتي لا يمكن أن نخلّد فيها إلى الأبد، علاوة على أنها لا تتكرر مرتين؟!

لا أدّعي أنني أملك الإجابة كاملة على ذلك السؤال الصعب، ولكن أظن أنني أملك بداية الإجابة عليه.

على يقين أنا انه لن يصل للسر الكامن في جوهر الحياة قلب ليس نقيّاً، هذه بداية الإجابة للسؤال الصعب، القلوب ليست سوى زجاج لمرايا تعكس صورة الحياة وتوطّنها في يقيننا، القلوب وحدها القادرة على الوصول لجوهر الحياة ومعناها الغائب، العقول مهمّتها تجميع أجزاء الصورة المتناثرة لجوهر الحياة، من حبّة الرمل إلى تلك الأجزاء الساكنة في ما وراء الطبيعة، ولكن أجزاء الصورة تلك قد تربكنا وتزيدنا تشتتا وضياعاً إن لم يكن وراء تلك العقول قلوب قادرة على أخذ كل جزء من سلة العقول ووضعه في مكانه الصحيح بجانب الجزء المكمل له إلى أن تكتمل الصورة تماماً وتتضح، فتتمكن العين الثالثة الموجودة في داخل كل منا من رؤيتها.

هذه العين الثالثة لن تستطيع رؤية الصورة إذا لم يتمكن القلب من تركيب أجزاء الصورة في مكانها الصحيح، إذ ستصبح الصورة حينها أقرب للوحة سريالية كلٌّ «يفسّرها» كما يظن، أو كما يتوقّع...

بنظري ليس هناك أكثر ضياعا للمرء من أن يكون جوهر الحياة بالنسبة له ليس أكثر من ظن أو مجرد تخمين!

العين الثالثة والموجودة في كل نفس بشريّة أهم من العينين الظاهرتين فينا، وأهم ما يميزها أنها لا تصاب بالعمى، ولا يأتيها الرمد، ونظرها سليم جداً، وهي ترى الصور كما هي، لا تخمّن، ولا تظن، ولا يشبّه لها، ولا تذهب أبعد من الصورة التي في الإطار، أي خطأ يرتكبه القلب في تكوين الصورة يؤدي حتما إلى صورة مشوهة، فتراه العين الثالثة كما شكّله القلب.

القلب هو الأساس في الوصول إلى المعنى الغائب للحياة، فأولاً لابد أن يتمتع القلب بالذكاء والفطنة ليتمكن من تركيب أجزاء الصورة بشكل صحيح، ثانياً لا بد أن يكون القلب نقيّا وصافيا حتى يتمكن من نقل الصورة الصحيحة لتلك العين الثالثة الكامنة في داخلنا، فإذا كان زجاج القلب متسخاً فلن يعكس للعين الثالثة صورة صحيحة حتى وإن تمكن القلب من تركيب أجزاء الصورة بشكل صحيح، أما كيف يصبح القلب نقيّا؟! فلا أرى سوى الحب «السليم» كفيلا بذلك.