الغرب عند البعض يرتبط بالتقدم التقني، وبتطور القوانين والدساتير الحافظة للحريات والعدالة والاجتماعية والديمقراطية ومبادئ تداول السلطة، والتعايش السلمي وحماية الأقليات، وكذلك منح النساء فرصاً متزايدة في المؤسسات والحياة العامة، كما يعني العناية بالبحث العلمي وتقدم علوم الفضاء وتطبيقاتها، وغيرها من مميزات التقدم في مسيرة البشر، إلا أنه عند الشيخ المصري السلفي العضو في اللجنة التأسيسية للدستور المصري يعني شيئاً غير ذلك كله، ومن هذا المنطلق تجرّأ وطالب بتخفيض سن الزواج في مصر، وقيل إنه حدده بـ9 سنوات، وقيل إنه تركه للنضج العاطفي، وهي مسألة محل خلاف. الشيخ السلفي احتزم بالغرب واستشهد بهم في سياق يقول إنهم "أي الغرب" يسمحون للفتيات بممارسة العلاقات الجنسية في سن الرابعة عشرة، مما يعني جاهزيتهن للزواج، وهو كما يقول لا يدعو إلى تقليدهم في هذا، ولكنه يستغل هذه الحقيقة لتأكيد صحة ما يقترحه، وأنا لا أعرف من أين جاء بهذا الكلام، وكيف قرر صحته، فالولايات المتحدة تعتبر أن استمالة فتاة دون سن الـ18 جريمة فدرالية، وفي إيطاليا تم الإيقاع برئيس وزرائها سلفيو برلسكوني -لا في قضية فساده على كثر ما اشتهر بها- بل في ضبطه مع فتاة هوى دون سن الـ18. يحتج السلفي بأن الناس في الأرياف يتحايلون على القانون كي يزوجوا بناتهم في عمر أقل. وصحيح أنهم يتحايلون لو استطاعوا لكن بسنتين أو سنة أقل، ولا يزعم أحد أن طفلة في التاسعة تزوج في الريف هذه الأيام إلا في متاجرة بغيضة أشبه ببيع العبيد لا في علاقات زواج. الشاهد هنا ليس هو عمر الفتيات المناسب للزواج، والذي هو شغل مؤسسات التربية والصحة والمجتمع المدني، التي تحرص على تطوير وعي الناس بمخاطر الزواج والولادة في سن مبكرة، وتوفير بيئة أفضل للطفولة، لكن الشاهد هو ما يشغل السلفيون اليوم حين يمتلكون سلطة على المجتمع، ليس سوى موضوعات الزواج وأشكاله المناسبة التي تتوافق مع روح العصر السريعة والتخفف من التزاماته الثقيلة، وتوفير متع متحررة عصرياً مثل زواج المسيار، وزواج الصغيرات، والزواج بنية الطلاق غير المعلن وهلم جرّا. وقد قرأت مؤخراً أن الرئيس المصري محمد مرسي يواجه نقداً من التيار السلفي بسبب مصافحته النساء في اجتماعاته الأخيرة في الأمم المتحدة، فهل هذا هو مشروع مصر الجديدة: لماذا يصافح الرئيس النساء؟ ولماذا لا تُزوج الطفلة مبكراً؟ هل هذه مصر التي اشتهرت برموز النهضة العربية أمثال الطهطاوي ومحمد عبده وطه حسين وهدى شعراوي وقاسم أمين وإبداعات سيد درويش وأم كلثوم. الذي يضع على رأس أولوياته وهو يناقش دستور الحقوق والواجبات وصيانة الحريات حق تشريع زواج القاصرات، لاشك أن رأسه في مكان آخر.
أخر كلام
متى يصبح الغرب قدوة؟
29-09-2012