هناك بعض الأطراف المتنفذة التي يبدو أنها لا تستطيع العيش في ظل الاستقرار السياسي وتحت سقف الدستور؛ لأن ذلك يحد من نفوذها السياسي غير الدستوري، ويضر بالتالي بمصالحها الخاصة غير المشروعة، لهذا فهي تحاول بكل ما تملك من قوة ونفوذ أن تدفع بالحكومة للالتفاف على حكم «الدستورية» والعبث بالنظام الانتخابي.

Ad

الحكم الأخير للمحكمة الدستورية بخصوص الطعن الحكومي بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من قانون انتخاب أعضاء مجلس الأمة، كان واضحاً وضوح الشمس في رابعة النهار، إذ إنه أكد دستورية القانون، وأن تعديله لا يكون إلا عن طريق المشرّع أي بقانون، والقانون كما هو معروف دستورياً لا يصدر إلا من السلطة التشريعية أي مجلس الأمة، ثم يصدّق عليه سمو الأمير (مادة 79).

وعلى الرغم من وضوح حكم المحكمة الدستورية، فإن هناك بعض الأطراف المتنفذة التي يبدو أنها لا تستطيع العيش في ظل الاستقرار السياسي وتحت سقف الدستور؛ لأن ذلك يحد من نفوذها السياسي غير الدستوري، ويضر بالتالي بمصالحها الخاصة غير المشروعة، لهذا فهي تحاول بكل ما تملك من قوة ونفوذ أن تدفع بالحكومة للالتفاف على حكم "الدستورية" والعبث بالنظام الانتخابي من أجل التحكم بنتائج الانتخابات وتفصيلها على مقاسها، وذلك بتغيير تركيبة الدوائر الانتخابية الخمس أو نظام التصويت من خلال "قانون بمرسوم ضرورة" حسب المادة (71) من الدستور، رغم أن هذه المادة الدستورية لا تنطبق على موضوع تغيير تركيبة الدوائر الانتخابية أو نظام التصويت.

فليس هناك "تدابير لا تحتمل التأجيل" كما تنص المادة (71) خصوصاً أن حكم المحكمة الدستورية قد حصّن قانون الانتخابات ضد أي طعون مستقبلية بعدم الدستورية، ناهيكم عن أنه قد سبق للحكومة أن أعلنت، بعد حكم المحكمة الدستورية بإبطال مجلس 2012 بتاريخ 20 يونيو الماضي بسبب خطأ إجرائي، أن تصحيح الخطأ لن يستغرق سوى أيام معدودة فقط، وهو ما أكده وزير الإعلام في مؤتمر صحافي آنذاك حينما قال حرفياً "أحببت أن أطمئن الناس أن إجراءات تصحيح الخطأ الإجرائي ستستغرق أياماً وليس أسابيع"!

ليس ذلك فحسب، بل إن تشكيل الحكومة الحالية كان "لتصحيح الخطأ الإجرائي الذي أدى إلى إبطال مجلس 2012 ولاستكمال إجراءات حل مجلس 2009"! وهو الأمر الذي لم يتم حتى الآن رغم مضي أكثر من ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة مما أدى إلى وجود فراغ دستوري غير مسبوق.

من هذا المنطلق، فإنه ليس أمام الحكومة الآن من خيار متوافق مع الدستور والمطالب الشعبية سوى إنهاء الفراغ الدستوري فوراً، وذلك بحل مجلس 2009 الساقط شعبياً وسياسياً- الذي قالت عنه فور تشكيلها إن "الأسباب الموضوعية لحله لا تزال قائمة"- ثم الدعوة إلى انتخابات برلمانية تتم وفقاً للنظام الانتخابي الحالي (خمس دوائر بأربعة أصوات) يأتي على إثرها مجلس أمة جديد يعرض عليه خلال دور الانعقاد الأول قانون النظام الانتخابي ليقر التعديلات التي يتم التوافق عليها، خصوصاً أن جميع الأطراف السياسية تقريباً بما فيها الحكومة تعترف بعيوب النظام الانتخابي الحالي.