عيد الديحاني
عيد الديحاني... أجمل الأصدقاء التعساء البؤساء!وريث اليسار العربي الذي وُلد في أواسط القرن الماضي، أكثر الناس إحساساً بتعاسة الحياة... وأكثر المبشّرين بجمالها.
المربك لمن لا يفهم أبا ماجد أن إحساسه بتعاسة الحياة يُقرأ على أنها دعوة مفتوحة للانتحار، بينما هي تحريض على التمرد من أجل صُنع جمالها، أما أضعف الإيمان في ذلك التحريض هو القبض بكلتا اليدين على قطرات الجمال التي تتساقط من فضاء الحياة بين الحين والآخر.وسوء الفهم ذاك لا يتحمل وزره كله ذاك الذي لا يعرف عيداً، بل يشاركه عيدٌ نفسه في حمل هذا الوزر.شخصية من فرط ثرائها... مربكة!عاشق للسينما... وتكاد تكون ذاكرته أرشيفاً وثائقيا غنيا للأفلام الأبيض والأسود، يناقشك بأدقّ تفاصيلها مروراً باسم كاتب سيناريو ذلك الفيلم!وعلى ذكر السيناريو، درس أبو ماجد فن كتابة السيناريو بعد التقاعد ومُنح شهادة بذلك، ومن أحبط ما واجهه، كتابة مسلسل درامي مهم جدا في نظري (فقد اطلعت عليه أثناء كتابته)... والمؤسسات التي تعنى بدعم الدراما الخليجية، وتم وصول السيناريو إليها.. بقي ردها بالموافقة أو الرفض معلقاً منذ سنوات حتى هذه اللحظة والتي غامرت بحنجرتها لمرور «موس» الردّ... ردّها كان غير نظيف من أثر الدمّ!يرددّ أبوماجد ساخراً بغضب ملحوظ: يا أخي شنهيهذي المؤسسات البائسة؟! وشنهو البشر التعساء اللي فيها؟!أحاول مشاغبته قليلاً: والله حتى أنت تعيس مثلهم يا بوماجد، ما تشوف إلا الجانب التعيس في الحياة... ياخي الحياة فيها جمال كثير.وأحياناً ينتهي الحوار بيننا بضحكة من الجميع... وأحياناً يستمر.بالرغم من كمية الحزن التي يحملها بين أضلعه نيابة عن كل ضعفاء الأرض، محب وودود للحظات الفرح! يحفظ كثيرا من النكت، لن تفلت مكالمة هاتفية مع صديق له من نكتة.يسابقك عند رؤية فرح بالكاد يُرى للترحيب به، في الوقت الذي يردد في صلواته: أن لا فرح منتظرا!هذا الجدل الدائر المثير في عيد نفسه وحوله تدعو غالبا للإرباك!ولن تتمكن من التخلّص من هذا الإرباك، والتصالح معه،إلا إذا تمكّنت من الاستمتاع به مع أبوماجد نفسه!إحدى طرق «التكيّف» مع هذا الإرباك هو أن تشاغبه قليلا.كأن تقول له: يا بوماجد يا حبيبي فهمني بس شنهو الفرق بيني وبين أي متطرّف لو أني «أمنت» مثله بعدم جواز ترك مساحة رأس رمح في صدر متطرّف؟!أحيانا تكون المحاولة أكثر شغباً كأن أقول له:أنت تبدو متعصبا ضد الملونين!الملونون بالنسبة لعيد هم أولئك الذين في داخلهم أكثر من لون يغيّر حسب الحاجة، لا علاقة للاعراق في نظرته!تكون ملاحظتي أحياناً أبعد من تعليق أبوماجد عليها، فأنا لا أظن أن فينا من لا يحمل أكثر من لون... فحتى المتطرفين لا ينظرون إلا من خلال اللونين: الأبيض والأسود,أحياناً يستجيب لاستفزازي ويدخل بي عالم فكره البهي ويثري فقري بهذا الكنز المختبئ في صدره!وهذا جمال أبوماجد الحقيقي بالإضافة إلى روحه التي لا تفسد للفرحة قضيّة!