فور أن تولى سمو الأمير مسند الإمارة عام 2006 أعلن رؤاه ومشروعه المتمثل في تحويل الكويت إلى مركز مالي واقتصادي، بما يتطلبه هذا المشروع الكبير من ورشة عمل داخلية كبيرة تتناول البنية التحتية من مدن جديدة ووسائل نقل حديثة، وتطوير الصناعات النفطية والمؤسسات المصرفية والاستثمارية التي تمثل أصول الكويت بشقيها الثروة البترولية وخبرات الكويتيين التجارية، على أن يصاحب ذلك دبلوماسية خارجية تعتمد على الرسالة الاقتصادية التي تروج للكويت المركز المالي من قبل دبلوماسيين اقتصاديين محترفين.

Ad

بلا شك، إن مشروع "العود" ضخم ورائع ويمثل مستقبل وطن، بعيداً عن الثرثرة والصراعات الجانبية، ومدمني السياسة الكويتيين الذين لا يملّون من الصراع على الكراسي، والجشعين الذين يضعون العصا في الدولاب، إن لم تصب كل المشاريع والمناقصات في "شليلهم".

ولكن بدلاً من أن تبادر الحكومات المتوالية إلى تنفيذ المشاريع والرؤى السامية، تركوا البلد يغرق في الجدل السياسي وحولوا بذلك المواطنين إلى "مكائن سياسة"، الكل يتكلم في السياسة بدلاً من أن يناقش دوره في مشروع الكويت الجديدة، ويعيش الازدهار الاقتصادي والاستثمار المجدي الناتج من الفوائض المالية الضخمة التي تتراكم وتتآكل بسبب التضخم وانعدام الفرص الاستثمارية العالمية الناتجة من الأزمة الاقتصادية الدولية، في حين دمرت الدوائر والأجهزة الحكومية المشروع في الدراسات الدسمة القيمة التي لا تنتهي، ولا يوجد لها مثيل في مشاريع كل الدول النفطية المماثلة لنا، واخترق صراع "الهوامير" مؤسسات الدولة وأوقف المشاريع الحيوية حتى في مجلس الوزراء! بينما الشركات الاستثمارية الحكومية الموكلة بإنعاش سوق الأوراق المالية تضارب فيه وتجمع "كاش" المتداولين وتخرج بأرباح حتى توزع "البونص" على قيادييها، لينهار السوق بعد ذلك وتفقد الثقة فيه وتندر السيولة منه!

سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد اجتمع مرتين خلال ثمانية أيام مع الفريق الحكومي الاقتصادي وطالبهم بالانتقال من مراحل الدراسات إلى مرحلة التنفيذ والإنجاز الفعلي، وفي هذه المرحلة العصيبة وظروف البلد السياسية السيئة، يجب أن تكون أوامر "العود" هذه المرة هي الحد الفاصل الذي يستمع إليه المسؤولون في جهاز مشاريع الدولة الكبرى ووزارة الأشغال العامة وهيئة الاستثمار وكل الأجهزة الحكومية المعنية لتحقيق مشروع الكويت الجديدة، لنُخرِج المواطن من دوامة الصراعات العبثية والتجمعات الغوغائية والمواجهات العرقية والمذهبية، وليكون تنوعنا الاجتماعي مصدر قوتنا في الإبداع والإنتاج، كما يفعل العالم المتحضر، بدلاً من أن يكون سبب تدمير بلدنا، فهل يصدق كبار مسؤولي الدولة في الاستجابة للأوامر السامية ويُخرِجون الكويت من حالة التعطيل، والمواطن من حالة الإحباط التي يعيشها؟ عبر تحقيق مشروع "العود" من أجل خير وتنمية الديرة؟!

***

بالتأكيد إن إنجاز مشروع سمو الأمير الخاص بالكويت الجديدة كمركز مالي واقتصادي يرتكز على إيجاد كوادر وطنية مؤهلة بشكل رفيع، ولذلك فإن إقرار البعثات الفورية للطلبة الكويتيين ممن يحصل على قبول في أفضل 100 جامعة في العالم هو قرار الوزير نايف الحجرف التاريخي الذي سيسجل كنقطة ماسية في سجله المهني، وكذلك ما يقوم به مركز التدريب والتطوير في مؤسسة البترول الوطنية الكويتية من برامج متقنة ومتعددة ذات جودة عالمية، إضافة إلى برامج التدريب في مؤسسة التأمينات الاجتماعية وهيئة أسواق المال هي كلها برامج يجب أن يتم توفير الميزانيات لها ودعمها وحمايتها من الصراعات السياسية ومن يحاولون تعطيلها وابتزاز القائمين عليها من خلال الأسئلة البرلمانية وخلافه، لأنها هي الأمل في حماية الشباب من الفتن والصراعات والمواجهات المؤذية ودفعهم إلى التعلم والإنتاج وبناء الكويت الجديدة.