للزيارة التاريخية التي قام بها سمو أمير البلاد الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، حفظه الله ورعاه، إلى المملكة المتحدة في الفترة ما بين 27- 29/ 11/ 2012 بدعوة كريمة من جلالة الملكة إليزابيث المعظمة، وهذا الاستقبال والحفاوة غير المسبوقين لأي من زعماء العالم، وفي هذا التوقيت بالذات، في ظل ما تشهده دول المنطقة من حراك وتغيير في السياسات والتحالفات التي بدأت تتشكل في طول المنطقة وعرضها، دلالات غاية في الأهمية، ورسائل قوية ومدوية للكثير من الجهات، وذلك نظراً لما تحظى به المملكة المتحدة من مكانة دولية ومحرك أساسي للأحداث فيه.

Ad

لقد عكس ذلك الاستقبال عمق العلاقة بين البلدين الصديقين التي تجذرت عبر التاريخ وتأصلت بالموقف القوي والشجاع لبريطانيا في مواجهة الغزو العراقي الغاشم عام 1990، وقيامها مع الولايات المتحدة الأميركية بقيادة تحالف دولي قام بطرد جيوش الظلام وتدمير آلته العسكرية التي كانت محل تهديد لدول المنطقة.

إن لهذه الزيارة التاريخية رسائل متعددة الاتجاه تأتي على قمتها رسالة لكل دول المنطقة بأن للكويت أصدقاء يعتمد عليهم في حفظ أمنها واستقرارها، فالكويت لم ولن تكون وحيدة في مواجهة الأخطار مهما تنوعت أشكالها واتجاهاتها، فلا يخطئ أحد في قراءة الأحداث الداخلية التي تدور في البلاد، فهذا حراك سياسي يقوم به بعض أبناء الوطن تعبيراً عن ديمقراطية حقيقية يعيشها المجتمع الكويتي، فالولاء للكويت لا ينازعه ولاء آخر لدى المخلصين من أبنائها.

وللزيارة أيضاً رسالة لكل من يحمل أجندات خارجية يسعى إلى تسويقها في البلاد، فإن كان للبعض ارتباطات مع أحزاب أو منظمات خارجية، فبالتأكيد ليس مكانها الكويت التي استطاعت أن تزيل أعتى دكتاتورية عرفها التاريخ، فليكن معلوماً أن الوطن وقيادته وأهله لن يسمحوا لأيٍّ كان بالسيطرة على مقدرات البلاد وتنفيذ مخططاتهم المشبوهة التي، للأسف، تتخذ من الدين ستاراً، والدين منهم براء.

ورسالةٌ أيضاً إلى كل من علا صوته أو أخذته العزة بالإثم، فغدا كمن يقول "أنا ومن بعدي الطوفان"، و"نكون أو لا تكون الكويت"، واستغل الشباب وحماسهم في الدعوة إلى مسيرات وتجمعات وشعارات لم يعتدها الشعب الكويتي، فأشاعوا الخوف والهلع بين أهلنا، رسالة لكل من يحاول أن يستغل الأوضاع للتكسب ولإضفاء الوطنية على تنظيمات أكل عليها الدهر وشرب.

ولعل الرسالة الأهم موجهة إلى الكويت وأهلها، لأبناء الديرة الأوفياء المخلصين ممن يملأ حب الكويت قلوبهم، وهم على استعداد للتضحية في سبيل الوطن لا قولاً بل فعلاً وعن إيمان ويقين، وقد اتضح ذلك جلياً في الثاني من أغسطس عام 1990.

لكل هؤلاء رسالة قوية بأن الكويت كما عهدناها كانت وستكون قوية بقيادتها وعزيمة أهلها، لكم شعرنا بالفخر والاعتزاز عندما قامت صاحبة الجلالة المعظمة بتقليد سمو الأمير، حفظه الله ورعاه، أعلى وسام في المملكة المتحدة. إنه بحق وسام على صدر كل مواطن يفخر بالانتماء إلى هذا الوطن العزيز الذي كان ولايزال يبحر في طوفان من الأحداث، ومع ذلك لايزال، ولله الحمد والمنّة، واحة أمن وأمان يهرع إليه كل من يعاني في بلده ظلماً أو ضيقاً في العيش.

إن العلاقة بين البلدين لا يمكن التعبير عنها بكلمات أو خطب أو مقالات، وعلى سبيل الذكر فقد تلقيت قبل أشهر دعوة كريمة من سفير المملكة المتحدة في الكويت فرانك بيكر لزيارته في مكتبه بالسفارة، وعند دخولي لذلك المبنى المواجه للخليج العربي في موقع يعبر عن مكانة هذا البلد العظيم، شعرت بعبق التاريخ.

كانت صالة الاستقبال تحمل الطابع الكويتي القديم، وقد احتل الصندوق المبيت جانباً منها مع بعض القطع الأثرية من التراث الكويتي القديم. وقد عبّر السفير عن الاحترام والتقدير للنظام السياسي والتواصل الاجتماعي في المجتمع الكويتي، وبعد فإن تلك الزيارة التاريخية لسمو الأمير، حفظه الله ورعاه، وما تحمله من دلالات ورسائل تحتاج إلى من يفهمها ونتمنى ذلك.

ودعاؤنا دائماً بأن يحفظ الله الكويت وقيادتها وأهلها من كل سوء ومكروه.