لأن هناك تشابهاً بين الأردن والكويت، لاسيما في ما يتعلق بالمسيرة البرلمانية والحياة السياسية، فإن من المفترض أنْ يسفر "ربيع" البلدين الشقيقين عن بروز ثلاثة تيارات سياسية، يأخذ كل منها بطابع الجبهة الموسعة أو طابع الحزب المتعدد الآراء، وهي: التيار القومي-اليساري، الذي من حقه الاتكاء على التجربة البعثية وعلى تجربة القوميين العرب إضافة إلى التجربة الشيوعية، والتيار اليميني أو المحافظ وقد يمثله الإخوان المسلمون ومن يلتقي معهم في المفاهيم والمنطلقات، والتيار الوسطي الوطني الذي، بالضرورة، يجب أن يكون تياراً برامجياً قريب الشبه بالأحزاب البرامجية في الدول الأوروبية، وفي الولايات المتحدة الأميركية.
لقد بقي الملك عبدالله الثاني بن الحسين حتى قبل أن تغشى الأردن رياح هذا "الربيع العربي" ينادي ويطالب بضرورة تشكيل مثل هذه التيارات الثلاثة، وكان الملك حسين، رحمه الله، قد وصف تعدد الأحزاب، بعد استئناف الخيار الديمقراطي عام 1989، بأنه "الازدحام الذي يعوق الحركة"، وحقيقة فإن هذا الازدحام لايزال مستمراً، وهناك الآن عشرات الأحزاب التي يعتبر بعضها مجرد اسم بلا مضمون تنظيمي وفكري وبرامجي وسياسي.ولعل ما يجعل بروز مثل هذه التيارات الثلاثة سواء في الأردن أم الكويت ضرورة لها الأولوية لوجود فوضى سياسية ضاربة أطنابها قد تدفع الأمور نحو مزيد من العنف الاجتماعي الأهوج، ولغياب البرامج الاقتصادية والسياسية التي غدا وجودها أكثر إلحاحاً وقد مرَّ عامان على ما يسمى "الربيع العربي"، كما دخلت هذه التجربة في تونس ومصر مساراً خطيراً إن لم تتم عقلنة الصراعات المحتدمة حالياً بين الإخوان المسلمين والاتجاهات المدنية، الليبرالية والعلمانية، بسرعة.لم يعد الناس، سواء في الأردن أم في الكويت، يستسيغون هذه "الحراكات" وهذه "التظاهرات"، التي بقيت متواصلة على مدى نحو عامين مع انكماشٍ واضح بات يقترب من حدود التلاشي، وقد ملَّ الأردنيون والكويتيون بغالبيتهم كل هذه الشعارات التي يسمعونها بلا تبديل ولا تغيير على مدى كلِّ هذه الفترة، ولهذا فإنه لابد من وقفة سريعة عند هذا المنعطف الذي ستكون بعده الهاوية إن لم تتم مثل هذه المراجعة وإنْ لم تكن هناك مبادرة جادة لـ"عقلنة" الأمور بسرعة حتى تستقيم الأوضاع.الآن أصبحت تجربة "الربيع العربي" في مصر وفي تونس تسير على حدِّ السيف، وباتت هناك مخاوف فعلية من أن تغرق هذه التحولات الضرورية والعظيمة وهذه التجربة الواعدة في العنف المدمر وأن تنحرف عن مسارها المفترض، ولذلك رغم الفوارق الكثيرة بين الحالتين المصرية والتونسية والحالتين الأردنية والكويتية فإن من غير الجائز أن يستمر كل هذا التشرذم الحزبي وبخاصة في الأردن. إن كل هذا "الازدحام" يعوق الحركة بالفعل والمطلوب الآن، وقد أصبحت الانتخابات البرلمانية على الأبواب، أنْ تبدأ عملية الاستقطاب ليصبح بالإمكان ظهور هذه التيارات الثلاثة الآنفة الذكر في أقرب فترة ممكنة.
أخر كلام
حتى تستقيم الأمور!
19-12-2012