ديوان الشاعر عُمر بن أبي ربيعة يكشف عن معالم حياة وطبيعة مجتمع وعادات ربما كانت مجهولة وخافية على كثير منا، وهو ما أشرت إليه في الجزء الأول من هذا المقال، وسوف أشير اليوم إلى بعض العادات والمواصفات والمعتقدات التي كانت سائدة في ذاك الوقت، فمثلا إذا خدرت رجل المرء يدعو باسم الحبيبة فيزول الخدر، وفي هذه الأبيات إشارة إلى هذا المعنى: إذا خدرت رجلي أبوح بذكرها/ ليذهب عن رجلي الخدور، فيذهب/ أدعوك ما ضحكت سني وإن خدرت / رجلي دعوت دعاء العاشق الطرب. وهذه الأبيات أيضا تدل على نوعية الجلوس على الأرض السائد في ذاك الوقت مما يؤدي إلى خدور الأرجل.

Ad

وهناك أيضاً أبيات تشير إلى السحر، وهو مذموم في الإسلام، ولكنه يبدو أنه كان متبعاً، وهو ما يشير إليه في البيت التالي: حدثوني أنها لي نفثت / عُقدا، يا حبذا تلك العقد/ كُلما قلت: متى ميعادنا؟ / ضحكت هند وقالت: بعد غد.

أما مواصفات الجمال فقد اختلفت اختلافا كبيرا عن يومنا هذا، فقد كانت الفتاة الجميلة هي ذات الأرداف الثقيلة والسيقان الممتلئة والخصر الصغير والشعر الطويل، هذه المواصفات جاء ذكرها في أغلب أبياته الشعرية وهذه مقتطفات منها: 1 يسحبن أذيال المروط بأسواق / خدال، وأعجاز مآكمها روى. 2 فتولى نواعم / مثقلات الحقائب. 3 خدل السوق، رجح،/ ناعمات الحقائب. 3 هيفاء، لفاء، مصقول عوارضها/ تكاد، من ثقل الأرداف، تنبتر. 4 مثقلات، يُزجين بدر سعود،/ وهي في الصبح مثل شمس النهار. 5 خود مهفهفة الأعلى، إذا انصرفت/ تكاد من ثقل الأرداف تنبتر. 6 وتنوء، فتصرعها عجيزتها،/ ممشى الضعيف، يؤوده البهر. 6 تكاد من ثقل الأرداف، أن نهضت/ إلى الصلاة بُعيد البسر، تنبتر.

هذه بعض من مواصفات الجمال التي لا تتفق مع معايير الجمال في عصرنا هذا، فالمرأة التي تكاد من فرط ثقل عجيزتها تنفطر لم يعد لها أي قبول في مواصفات يومنا هذا، ولا أظنها مع هذا الثقل صالحة للعمل في الوزارات والمؤسسات وغيرها، لكن كازنوفا العرب عُمر بن أبي ربيعة لم يترك مفصلا أو ساقا أو نحرا أو خصرا أو قدما لم يتغزل به ويكشف عن صفات الجمال المحببة في عصره، فهو شاعر حسي بجدارة يولي اهتمامه بكل الأجزاء الجميلة في جسد المرأة، والغريب أن النساء كن سعيدات ومتسابقات لنيل الحظوة لديه، ليشبب بهن ويعشقهن حتى الفضح العلني، والأمر هذا لا يتوقف فقط عند الجاريات بل أكثر من أحبهن الشاعر وكتب لياليه الغرامية معهن، كن أميرات وحرات ومن علية القوم، فهذا الفتى الثري الجميل والشاعر المغنى شعره كان مغامرا لا يهاب ولا يتردد عند أي دقة قلب أو إشارة أو نداء، فهو جاهز دائما لتلبية نداء القلوب تحت أي ظرف كان، ومن أي بلد كان، فهو يذكر أماكن عدة للقاء الحبيبة، مثل عمان ودمشق والعراق مما يدل على أن الحركة والانتقال والتواصل ليست بالمشقة التي نظنها.

ويكشف شعره عن جرأة نساء ذاك الوقت الذي كنت أظن أنه يصعب على المرأة القيام بكل هذه المغامرات العشقية، بسبب انفتاح الصحراء وبساطة التكوين البنائي للمدينة وسهولة كشف الحركة والتنقل فيها، لكن شعر عُمر كشف عن لقاءات تتم بمنتهى السهولة في البيوت أو الصحراء في منتصف ليلها الذي يصعب القيام به في عصرنا المتحرر هذا، اذ ان الأسهل عليها أن تقابله في وضح النهار وفي وسط جموع الناس.

وهذه أبيات تكشف رغباتهن: 1 أرسلت هند إلينا رسولا/ عاتبا: أن ما لنا لا نراكا؟ / فيم قد أجمعت عنا صدودا/ أأردت الصرم، أم ما عداكا؟

2 وإن التي نهينها عن وصالنا / تبيت، إذا اشتاقت إلينا، تشوق/ فإنا لمحقون أن لا يردنا/ أقاويل، ما سدوا علينا، والصقوا.

3 فلهونا ليلنا، حتى إذا/ طرب الديك، وهاج المدكر/ حركتني، ثم قالت جزعا،/ ودموع العين منها تبتدر:/ قم صف النفس، لا تفضحني،/ قد بدا الصبح، وذا برد السحر.        

في شعر عمر أبن ربيعة عالم بكامله يتحرك بكل طبيعة عصره، فيا ليت يكون هناك بحاثة يعيدون اكتشاف كنوز تراثنا العربي.