مارست السلطة إرهاب الدولة وقمعت المتظاهرين الذين خرجوا لممارسة حقهم الدستوري بالتعبير عن رأيهم، فضربت المتجمعين المسالمين بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات وطاردتهم من مكان إلى آخر وكأنهم عصابات لصوص تتخفى عن عيون الأمن الساهرة على حفظ النظام، وهي عيون عمياء لا ترى حقوق البشر وكراماتهم، ورمت السلطة بالعديد منهم في مخافر وسجون الدولة، وكأنهم إرهابيون ومتآمرون يريدون قلب نظام الحكم.

Ad

 في وعيها المستبد تردد السلطة حكمتها القمعية الأثيرة أنها تطبق حكم القانون، ولا يهم إن كان مثل هذا القانون الذي يحرم التظاهرات السلمية والتجمعات العامة يخترق نصوص الدستور حسب المادة "44".

السلطة المستبدة لم تكن تريد منع تلك التجمعات المسالمة فحسب، بل أرادت بفظاظة قمعها أيضاً أن تعطي المتجمعين درساً لن ينسوه أبداً، بأنها ستكرر ما فعلته أمس الأول وأكثر منه. "لكل من تسول له نفسه المساس بهيبة السلطة وحكم القانون"- وضعت العبارة السابقة بين قوسين لأذكر بأنها من أعظم الأدبيات الترويعية التي تكرر نفسها بلا معنى في  الخطاب الرسمي الفج، وهي صيغة خطابية قمعية ليس فيها أي معنى غير الترويع وتخويف المواطن- بهذا الخطاب، حامل العصا الغليظة الذي أدمى أجساد وأرواح المتجمعين المسالمين، تروم السلطة إلى تدجين الروح البشرية الحرة وسجنها في أقفاص الطاعة والولاء الأعمى.      

ربما أطربت مشاهد قمع وضرب الأحرار التي حدثت أمس الأول الكثيرين من الذين اختزلوا المعارضة الكويتية بأشخاص السعدون أو البراك أو الطبطبائي وغيرهم من أعضاء مجلس 2012، وأن تلك المعارضة القبلية الدينية "حسب وصفهم" ليس لها من هم ولا غرض غير مصادرة الحريات الفردية للبشر وتكريس الروح الطائفية في المجتمع، ومن ثم يرى هؤلاء الليبراليون المزيفون، في ظل تقلص قواعدهم الشعبية أنه ليس لهم من خيار غير الالتصاق بالطرح السلطوي، بالحق أو بالباطل، فالسلطة هي الحامية لهم ولحقوقهم المتلاشية. الخطأ الكبير في مثل هذا الطرح أنه يقيس المعارضة بمسطرة واحدة، ويتعامى عن فروق كبيرة بين المعارضين، وإذا كان هناك من أراد فرض رؤيته المنغلقة في التشريع، وأذكى بالتالي روح الطائفية وخنق الحريات الفردية، فهم أفراد يمكن معارضتهم وتحديهم عبر الإعلام الحر نسبياً وعبر الممارسة الديمقراطية الصحيحة ذاتها، لكن في مثل حالنا اليوم كيف يمكن لنا الاعتراض إزاء ممارسات السلطة إذا تجاوزت حدودها؟ وكيف لنا أن نتحاور مع من يركب السيارات المدرعة ويحمل القنابل والسلاح ويطارد البشر في الشوارع والحارات؟... هنا يظهر لنا بصيص أمل تمثل في محمد الصقر وصالح الملا ومرزوق الغانم من جماعة التحالف الوطني والمنبر برفضهم خوض الانتخابات القادمة، وبهذا أوصل هؤلاء رسالة صريحة للسلطة أنها أضحت وحيدة في معاركها السياسية، وأن من سيبقى معها ليسوا سوى مرايا عاكسة لها، فهي السلطة التي ستنتخب السلطة في ديسمبر المقبل، فأي ديمقراطية هذه؟!