بين ضفتي العهر الفكري المتصلب والكذب المؤدلج، يعيش العقلاء خلف أبواب المجاز اللغوي والتورية والاستعارات والتشبيهات، خوفاً من القمع الذي يمتهنونه بجدارة، وخوفاً من التنكيل، فيموتون كمداً وحزناً من شعوب تعشق قاتليها، وجلود تشتاق لسياط معذبيها.
قاموا بتشويه وجه الكثير من الحقائق ووجه الحياة، قاموا بتفخيخ الأطفال بعد أن فخخوا أفكارهم بأبجديات الخوف والترهيب وجنون التطرف سعياً إلى حصد رؤوس الآمنين، ورسموا خارطة جديدة للعقل أساسها الكراهية ونبذ الآخرين، قاموا بتأليف الكتب الفارغة لتصحيح مسارهم المتعرج طولاً وعرضاً، واجهوا العالم بلغة عنيفة وقاسية وتكفيرية مدعين زوراً أنهم أمة المجد، ولتبسط جناح الخراب على أمم الحياة والعلم، استبدلوا عقول أبنائنا بعقل ببغاء يكرر كلمات لا يعرف من معانيها إلا أنها حقيقة لا ينازعهم عليها أحد، تعلموا في بلاد الكفر والصليب وقرؤوا علومهم بشغف الجاهل عن العلم، وحاربوا الغرب بشغف الفكر الجاهل.تجاهلوا أن لغة العالم هي لغة المنطق والعلم، فابتدعوا علماً يقوم على الحفظ في مسابقات يتسابق في تأسيسها أصحاب المال والدين والسلطة، لم يشجعوا الأبناء على المعرفة والبحث العلمي والتفكير المنطقي، بل العلم الفقهي الذي لا يتبدل ولا يتجدد إلا بقلة من الصادقين الذين يعيشون في بلاد الغرب خوفاً وهرباً من بطش حماة الدين الكاذبين، تمتلئ أرصدتهم يوماً بعد يوم ببيع الأوهام في سوق الكذابين، يتمترسون خلف قوانين خادعة وأوهام كاذبة لنيل الجنة الموعودة للمؤمنين، بينما يقبع الخانعون والكاذبون خلف الأضواء ليرسموا لوحة جميلة لخداعهم وكذبهم وأنانيتهم، يمنون الضعفاء والفقراء والبسطاء بحفل صاخب لقاء صبرهم، وهم لا يصبرون عن هبات الميسورين لتغدوا حناجرهم بالمزيد من الكذب ليبقى صادحاً ومغرداً بصوت الغرابيب.يبقى شأننا وشأن الذين يحاولون عقلنة الفكر وتنقيته من رواسب الماضوية السحيقة التي أصبحت تشكل ثقافة جديدة في مجتمعنا والقائم على النبذ والكراهية بين الطوائف المختلفين داخل المذاهب الإسلامية، ولن ولم نجد لتلك القيم التي يدعون وجودها من دعاوى الحب والتسامح والرأي الآخر سوى تلك التي يحاولون تزييفها على الفضائيات بعد أن تحولوا من دعاة لله ودينه إلى شخصيات تدخل سنوياً في عالم أغنى دعاة العالم، أغنياء "فوربس" الدينيين وبعد أن أصبحت الدعوة سلعة جديدة مضافة إلى عالم التجارة، ولكن بلا رأسمال بل بمجرد أوهام يغلفونها بأطر التدين الزائف دون محتوى حقيقي ومعرفة فلسفية تعيد المعنى الحقيقي للدين كعلاقة، خصوصاً بين الله ووجدان الإنسان.وبين ضفتي العهر الفكري المتصلب والكذب المؤدلج، يعيش العقلاء خلف أبواب المجاز اللغوي والتورية والاستعارات والتشبيهات، خوفاً من القمع الذي يمتهنونه بجدارة، وخوفاً من التنكيل، فيموتون كمداً وحزناً من شعوب تعشق قاتليها، وجلود تشتاق لسياط معذبيها. عصر الغوغائيين والملقنين، عصر سبات العقل ونعيم الجهل، ولكن العقلاء سيحفرون في أذهان العالقين بين وهم التضحية والشهادة والموت وبين عصر الحب والحياة والجمال.
مقالات
أوهام في سوق الدجالين
30-04-2012