نحن أمام مفترق طرق: فإما أن يستقر وضعنا السياسي ونتفرغ للتنمية الحقيقية، وإما أن تستمر الأزمة السياسية وتتعقد أكثر فيتراجع معها وضعنا العام. ونقطة الانطلاق التي ستحدد في أي اتجاه سنسير في المستقبل القريب هي كيفية تعديل النظام الانتخابي.

Ad

حال تسليم المقال في وقت مبكر تقتضيه ظروف الطباعة والنشر دون معرفتنا، أثناء كتابة المقال، لحكم المحكمة الدستورية الخاص بالطعن الحكومي بعدم دستورية المادتين الأولى والثانية من القانون رقم (24) لسنة 2006 بإعادة تحديد الدوائر الانتخابية لعضوية مجلس الأمة. لكن أياً كان الحكم، فإننا أمام مفترق طرق، إذ إننا مقبلون على فترة حرجة ومضطربة سياسياً، بالذات إن حكمت المحكمة بعدم الدستورية، وهو الأرجح، ولن يخفف من احتقانها وتعقدها أكثر سوى الإتيان بقانون انتخابي عادل ومتوازن فعلاً يعكس الحجم الحقيقي لموازين القوى السياسية في المجتمع.

وهذا الأمر من الممكن تحقيقه بدرجة عالية جداً إذا ما تم اعتماد الدائرة الانتخابية الواحدة والقوائم النسبية (نسبة دنيا محددة للنجاح مثلاً 10 في المئة)، بحيث تتشكل القوائم الانتخابية من مرشح واحد كحد أدنى حتى 50 مرشحاً كحد أقصى، ويتم ترقيم القوائم فيختار الناخب رقم القائمة، ثم يقسّم إجمالي الأصوات التي تحصل عليها القائمة علي عدد أعضائها بحسب تسلسل ترتيبهم في القائمة، فيفوز العدد الذي يحصل على النسبة المقررة للنجاح (10 في المئة مثلاً).

وما ينقص من أرقام عن هذه النسبة تحتفظ به اللجنة العليا المستقلة للانتخابات ليتسنى لها لاحقاً مقارنته مع القوائم الأخرى، وذلك في حال لم يكتمل العدد الكلي المطلوب للمجلس، وهو 50 عضواً.

على أنه من الجائز الإعادة في حال نقص عدد الأعضاء عن العدد الكلي المطلوب.

من مزايا نظام الدائرة الواحدة والقوائم النسبية المعمول به في كثير من دول العالم أنه يعالج مشكلة الاصطفافات الفئوية والطائفية والقبلية والمناطقية ولا يشجع على استمرارها، فهناك نسبة دنيا مقررة للنجاح، كما أن التنافس الانتخابي بين القوائم يكون عادة على أساس البرامج العامة التي تطرحها، خصوصاً أن من شروط نجاح هذا النظام إشهار الأحزاب أو الهيئات السياسية، ووجود هيئة مستقلة للانتخابات من صلاحياتها ليس مراقبة البرامج الانتخابية للقوائم فحسب، بل أيضاً منع بعض المرشحين أو القوائم الذين لا تنطبق عليهم الشروط من خوض الانتخابات، بالإضافة إلى تحديد سقف أعلى مكشوف للصرف على الحملات الانتخابية مع معرفة مصادر التمويل، علماً بأنه من المستحيل أن يحصل أي مكون طائفي أو قبلي أو فئوي على عدد يفوق نسبته الحقيقية في المجتمع، هذا مع افتراض أن كل أفراد المكون الاجتماعي أو الطائفي سيصوتون باتجاه واحد.

نحن أمام مفترق طرق: فإما أن يستقر وضعنا السياسي ونتفرغ للتنمية الحقيقية، وإما أن تستمر الأزمة السياسية وتتعقد أكثر فيتراجع معها وضعنا العام. ونقطة الانطلاق التي ستحدد في أي اتجاه سنسير في المستقبل القريب هي كيفية تعديل النظام الانتخابي، علماً بأنه قد سبق لبعض أعضاء مجلس الأمة أن طرحوا نظام الدائرة الواحدة والقوائم النسبية، ونوقشت مقترحاتهم في لجنتي "الداخلية" و"الدفاع"، وهذا معناه أن النظام شبه جاهز، وكذلك الحال بالنسبة لموضوع الأحزاب أو الهيئات السياسية والهيئة المستقلة للانتخابات، فأي طريق يا ترى ستختار الحكومة؟

الجواب ستوضحه الأيام القليلة القادمة.