هل ننشر صور الأميرة عارية؟

نشر في 23-09-2012 | 00:01
آخر تحديث 23-09-2012 | 00:01
No Image Caption
 ياسر عبد العزيز في نهاية السبعينيات من القرن الفائت، فاجأتنا صحيفة "أخبار اليوم" القاهرية بنشر صور نادرة للرئيس المصري الراحل أنور السادات من داخل غرفة نومه وحمامه وحديقة منزله، حيث شاهد الجمهور المصري رئيسه في أوضاع شديدة الخصوصية، مثل حلاقة الذقن، وأداء الصلاة، وممارسة الرياضة.

كان هذا اختراقاً حاداً لخصوصية أهم شخصية عامة في البلاد، لكن الاختراق كان بمعرفة الرئيس نفسه وربما نزولاً على رغبته.

في أحيان عديدة يلجأ السياسيون والنجوم إلى استدعاء مصوريهم المخلصين لالتقاط صور لهم أثناء ممارستهم حياتهم الخاصة، أو يسربون عمداً بعض المشاهد والأسرار الخاصة بهم، أو يكشفون مباشرة للجمهور عن قضايا حميمية في حياتهم.

يقوم النجم بهذه الخطوة عادة بشكل محسوب وشديد النفعية، ويهدف منها بالطبع إلى إزالة شكوك ما تحوطه، أو إلى تعزيز شعبيته وتكريس نجوميته والبقاء في عناوين الأخبار وعلى أغلفة المجلات.

لكن في أحيان أخرى، ينتهك المصورون والصحافيون خصوصية الشخصية العامة، ويقومون بالتقاط الصور في الأوضاع الحميمية والخاصة خلسة، أو يحصلون عليها من الأماكن التي يتم حفظها فيها، أو حتى يسرقوها من مواقع التواصل الاجتماعي.

حدث مثل هذا الأمر مع الأميرة البريطانية الراحلة ديانا، حيث طاردها مصورو "الباباراتزي" في كل مكان ذهبت إليه، واستطاعوا التقاط صور تجمعها بصديقها دودي الفايد في أوضاع خاصة جداً أثناء رحلات ترفيهية سرية. ويُعتقد على نطاق واسع أن هؤلاء المصورين أنفسهم كانوا أحد أسباب مقتل الأميرة وصديقها في الحادث المفجع الذي أنهى حياتهما في باريس، في عام 1997.

لا يستهدف "الباباراتزي" خصوصية الشخصيات العامة والنجوم الساطعة في العالم الغربي فقط، ولكنهم يفعلون الأمر نفسه مع نجوم الشرق وبقية مناطق العالم أيضاً، فيستهدفون سلطان بروناي، أو إمبراطور اليابان، أو رئيس كوريا الشمالية، وغيرهم.

وفي النصف الثاني من العقد الماضي، نُشرت صور العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني وزوجته الملكة رانيا بملابس البحر على أغلفة مجلات فرنسية وإيطالية عديدة، بعدما نجح مصورون متخصصون في اختراق خصوصية إجازة خاصة للعائلة الملكية والتقاط تلك الصور ونشرها. لقد تم اختراق خصوصية العائلة الملكية ونشر صورها على نطاق واسع بغية تحقيق مكاسب وأرباح من تلك العملية المثيرة للجدل من الناحية الأخلاقية، لكن الأمر لا يقتصر على ذلك فقط، فبمجرد نشر صور خاصة من هذا النوع لإحدى الشخصيات العامة، تثور عاصفة من الانتقاد والاستخدام السياسي، الذي عادة ما يخدم مصالح خصوم هؤلاء الذين انتهكت خصوصيتهم.

فعل ذلك خصوم العاهل الأردني السياسيون، كما فعله أيضاً خصوم السياسي المصري الحائز جائزة "نوبل" للسلام محمد البرادعي، حين تم تسريب صورة لابنته بملابس البحر من صفحتها الخاصة على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، ونشرها على نطاق واسع.

لقد استغل خصوم البرادعي السياسيون تلك الصورة أبشع استغلال، وراحوا يتذرعون بها في التدليل على المنحى الليبرالي للرجل وعائلته، معتبرين أن ذلك يتناقض مع طبيعة المصريين المحافظة، وهي مسألة كبدت البرادعي خسائر معنوية وسياسية فادحة، خصوصاً في أوساط الجمهور المهمش والفقير والمستسلم للدعاوى الديماغوغية ذات الإسناد الديني.

يبدو أنها لعبة لا تتوقف أبداً، ويبدو أن مصادرها لا تقتصر على المصورين المغامرين غير المنشغلين بالاعتبارات الأخلاقية التي تحكم العمل الصحافي، ولكن هناك أيضاً هؤلاء الذين يعمدون إلى تسريب الصور الحميمية لتحقيق مكاسب سياسية أو مالية.

ربما تقع حادثة الأمير هاري الأخيرة ضمن نطاق التسريبات المشار إليها سابقاً، فالأمير الشاب الذي يحل ثالثاً في ترتيب العرش البريطاني أمضى ليلة حميمية بصحبة أصدقاء وصديقات في أحد فنادق "فيجاس" خلال عطلة ترفيهية، لكنه وجد صوره عارياً، بصحبة فتاة عارية، على أحد المواقع الإلكترونية في الصباح، كما تصدرت الصور ذاتها الصفحة الأولى في الجريدة الشعبية الأهم في بريطانيا "ذي صن".

امتنعت الصحف البريطانية كلها عن نشر صور الأمير العارية بعدما طلب قصره ذلك، لكن "ذي صن" وجدت أن "من حق البريطانيين رؤية تلك الصور على صحيفتنا طالما تم نشرها في مواقع إلكترونية".

بعد أيام قليلة من تلك الحادثة المثيرة للجدل، وجدت دوقة كامبريدج الأميرة كيت ميدلتون، قرينة الأمير وليام، نفسها على غلاف مجلة "كلوزر" Closer الفرنسية صباح يوم الجمعة الثاني في هذا الشهر، وهي عارية إلا من القطعة السفلية من رداء السباحة.

في تلك المرة، لم تخاطب العائلة المالكة الصحف والمجلات كما فعلت في واقعة الأمير هاري، ولكنها ذهبت مباشرة إلى القضاء الفرنسي المستعجل، الذي أصدر حكماً قاطعاً بإلزام المجلة بعدم نشر الصور مرة أخرى، وعدم بيعها، وتسليم الصور للقصر الملكي خلال 24 ساعة، وغرامة عن كل يوم تأخير في تنفيذ الحكم، فضلاً عن احتمالية تغريم المجلة مدنياً لنشرها الصور، وربما معاقبة المسؤول بالسجن.

تطرح تلك الحوادث كلها، ومئات غيرها، الكثير من الأسئلة الشائكة والمهمة عن الحد الفاصل بين حرية الصحافة والتعبير من جهة، والحق في حماية الخصوصية من جهة أخرى.

والواقع أن الإجابة عن تلك الأسئلة ليست عملية سهلة؛ لأنها تقوم على موازنة حساسة ودقيقة جداً بين الحقين العام والخاص، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بشخصية عامة، وعندما تتصل جوانب في حياتها الخاصة بالمجال العام والمصالح العامة وتؤثر فيهما.

تعد حرية الصحافة مبدأ أساسياً في الدول الحرة لا رجوع عنه، كما تلتزم الدساتير والعهود الدولية بحماية الخصوصية الشخصية بشكل لا يقبل الشك، لكن الخطورة تنشأ والالتباس يقع عندما تتقاطع حرية الصحافة فعلاً مع الخصوصية.

ومن هنا يمكن القطع ببقاء حرمة الحياة الخاصة للشخصيات كلها عامة وخاصة بمنأى عن الاختراق والاستباحة كمبدأ أساسي، ولكن عندما تتقاطع الخصوصية مع المصلحة العامة فسيمكن حينئذ التسامح مع اختراقها، طالما أن النية لم تكن الإثارة أو تحقيق الأرباح، بقدر ما كانت إدراك المصلحة العامة، ومنها بالطبع محاربة الفساد، أو إظهار السوية الأخلاقية للسياسيين أمام ناخبيهم، أو تحسين قرارات الجمهور إزاء ممثليه في السلطات المختلفة.

فإذا اتخذ وزير زوجة سرية على سبيل المثال، واستطاع صحافي أن يلتقط صورة لعقد القران أو يحصل على وثيقة الزواج، فإن قيامه بنشر ما حصل عليه لا يعد عملاً مقبولاً، لأنه استهدف الإثارة والرواج عبر المتاجرة بحياة الوزير الخاصة. فإذا ما قام الوزير بإرساء عقود حكومية مباشرة على شركة تمتلكها الزوجة أو أحد أقاربها، فيكون من حق الصحافي هنا، بل من واجبه، أن ينشر الصور والوثائق، وتكون حياة الوزير الخاصة عرضة لانتهاك حرمتها، طالما أنه "انتهك حقوق مواطنيه"، واستلزم الأمر نشر خصوصياته لحماية المصالح العامة للجمهور.

ثمة عامل آخر في غاية الأهمية، فمن حق الجمهور أن يعرف كيف يعيش من يمثلونه أو يريدون تمثيله في مؤسسات الحكم، طالما أن طريقة العيش تلك تعكس خيارات سياسية واجتماعية واقتصادية حيوية يمكن أن تنعكس على السياسة العامة، أو تؤثر في الكرامة الوطنية، لكن هذا الأمر لا يسري أبداً على أنماط الحياة الخاصة التي تقع ضمن الثقافة السائدة أو المقبولة في المجتمع، والتي لا تخترقها اختراقاً حاداً. يمكنك الآن أن تعرف أن السادات مثلاً سمح بنفسه بانتهاك خصوصيته، فلا ضير إذن من نشر صوره، وأن العاهل الأردني والبرادعي لم يسمحا بذلك، ولم ينتهكا حقاً عاماً، وهو ما يحصن خصوصياتهما. أما الأمير هاري، فقد كشفت الصور عن سوية أخلاقية واجتماعية يمكن أن تؤثر في مواقف الجمهور البريطاني تجاهه كوريث لعرش بلاده، مثله في ذلك مثل حالة الأميرة ديانا، وهو الأمر الذي يختلف بالطبع عن حالة الأميرة كيت، التي لم تفعل ما يستوجب انتهاك خصوصيتها.

إنها موازنة دقيقة جداً بين حق الصحافة في النشر والازدهار وتحقيق الأرباح، وحق الجمهور في المعرفة عن الشخصيات العامة والنجوم، وحق كل إنسان في حماية خصوصيته، وبالطبع فإننا كثيراً ما نخفق في الوصول إلى المعادلة الصحيحة، وكثيراً ما نرتكب الأخطاء.

* كاتب مصري

back to top