الكويت تسمح بدخول مؤلفات بدرية البشر... وتمنع جسدها
الكاتبة شكرت تعاطف أهل الكويت معها قائلة: «كلماتكم وصلتني ودعمكم هو مكسبي الأكيد» «التحالف»: احترام حريات التعبير مجرد أوهام تحاول الحكومة تسويقها على الشعب
«المنبر»: ما زالت الكويت تعيش مسألة الحجر على الفكر والرأي «النسائية»: منعها يأتي ضمن مسلسل الحجر على حرية الفكر والرأي«الخريجين»: قرارات المنع تكررت بشكل أساء كثيراً إلى سمعة الكويت أدباء كويتيون: محاكمة نوايا الكتاب والمثقفين قضية مرفوضةاستنكر عدد من المثقفين في الكويت الإجراء الذي اتخذ ضد الكاتبة بدرية البشر في مطار الكويت، موضحين أن مثل هذه السلوكيات تدلّ على هيمنة قوى التطرّف على مفاصل الدولة، كما أنه لا يخرج عن تأويل خاطئ لنصوص أدبية هي "حمّالة أوجه"، ومتعددة الرؤى.رفض ممثلو عدد من القوى السياسية ومؤسسات المجتمع المدني ومثقفون وكتاب قرار السلطات الأمنية بمنع دخول الكاتبة السعودية د. بدرية البشر من دخول الكويت يوم أمس للتوقيع على كتابها في معرض الكتاب الدولي.واستنكرت رئيسة مجلس إدارة الجمعية الثقافية الاجتماعية النسائية شيخة النصف منع دخول الكاتبة بدرية البشر الكويت، مشيرة إلى أن منعها يأتي ضمن مسلسل الحجر على حرية الفكر والرأي.وأعربت النصف في تصريح لـ»الجريدة» عن قلقها من منع دخول «كاتبة وإنسانة مثقفة ذات طرح مستنير مثل البشر، خصوصا في ظل عدم وجود أسباب منطقية تدعو إلى عدم دخولها البلاد».وقالت «أشعر بالخجل من هذا المنع، خصوصا أننا نعيش في بلد متطور ومستنير»، لافتة إلى أنها تتابع كتاباتها ومقالاتها على صدر «الجريدة» ولا ترى فيها غير كاتبة محترفة وراقية في طرحها وأفكارها ومتزنة ومخلصة لمبادئها ومواقفها».تناقض واضحوشجبت النصف فكرة المنع، مشيرة إلى أن هناك تناقضا واضحا من السماح لعرض كتبها (البشر) في معرض الكتاب ومنع دخولها إلى الكويت بدون سبب واضح، معتبرة أن منع البشر من دخول البلاد معيب في حق الكويت، ومخجل جدا، متسائلة: «لوين رايحين في ظل هذا المنع المتكرر؟». وأوضحت أن معرض الكتاب في الكويت أصبح بلا معنى وكتبه لا قيمة لها.حبر على ورقووصف أمين عام التحالف الوطني الديمقراطي خالد الخالد منع الكاتبة السعودية د. بدرية البشر من دخول البلاد بأنه دليل آخر على أن مفهوم حرية التعبير في الكويت مجرد حبر على ورق.وقال الخالد في تصريح صحافي إن الحديث الذي تتشدق به الحكومة عن احترام حريات التعبير مجرد أوهام تحاول تسوقها على الشعب وليس واقعا تمارسه، لافتا الى أن منع البشر من دخول البلاد حلقة من سلسلة طويلة سلطتها الحكومة على حرية التعبير والفكر.وأضاف أن الحكومة دأبت في كل مناسبة فكرية على تشويه صورة الكويت والإساءة لها، خاصة فيما يتعلق بالحريات، مؤكدا أن العقلية التي تتعامل بها الحكومة والأجهزة الأمنية مع أصحاب الفكر والمثقفين عقلية ظلامية ورجعية.ومن جانبه، رفض أمين العام للمنبر الديمقراطي يوسف الشايجي التعامل مع أصحاب الفكر والمثقفين بأسلوب منعهم من الدخول الى البلاد، مبديا أسفه أن الكويت ما زالت تعيش مسألة الحكر على الفكر في ظل وجود سبل النشر الحديثة والمتعددة، وهو لا يمكن وقف نشره بمنع دخول أصحابه.وأضاف الشايجي في تصريح لـ»الجريدة» أن منع الكاتبة بدرية البشر هو امتداد من الماضي في منع حاملي الفكر الذين يساهمون في تطوير الأمم والشعوب من الدخول، مستغربا منع الكاتبة البشر من الدخول في وقت تعرض كتبها في معرض الكتاب الكويتي.وأشار الى أن هناك تناقضا في السماح لأصحاب القضايا الجنائية «الإرهابية» بدخول البلاد دون منعهم، في حين يمنع أصحاب الرأي والمثقفين من الدخول.تراجع وانحداروأعرب رئيس مجلس إدارة جمعية الخريحين سعود العنزي عن استنكاره منع الكاتبة د. بدرية البشر من دخول الى البلاد، مبيناً أنه من المؤلم «أن تصل حالة حرية التعبير إلى هذا المستوى من التراجع والانحدار، إذ لم يعد للمثقف العربي مكان في الكويت بعد أن كانت واحة للحرية يلجأ إليها كل خائف من زوار الفجر في بلاده».وأكد العنزي في تصريح صحافي أمس أن الكويت «تحوّلت الآن إلى جحيم الحجر على ضمائر الناس وأفكارهم، وأوصدت أبوابها في وجه الكُتاب والمثقفين، وتحول معرض الكتاب فيها إلى مخزن لكتب الطبخ وأبراج الحظ وقراءة الكف!».وأضاف: «إننا في جمعية الخريجين نعبر عن رفضنا الشديد لقرارات الحكومة المتكررة بمنعها دخول الكتاب والمثقفين الذين كان آخرهم الدكتورة بدرية البشر لأسباب لا نعرفها». مضيفاً أن قرارات المنع «تكررت بشكل أساء كثيراً إلى سمعة الكويت ومكانتها، بل أصبحنا نخشى أن تكون هذه الإجراءات مقدمة لما ستتحول إليه الأمور بعد إقرار الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون».وأشار الى أن المدافعين عن الحكومة «تحججوا عندما منعت المثقفين من قبل من دخول البلاد بأنها فعلت ذلك خشية من الأغلبية المتشددة دينياً في مجلس الأمة، أما الآن فما حجة الحكومة لاتخاذها مثل هذا القرار التعسفي؟!».وشدد على رفض الجمعية هذا القرار «أياً كانت أسبابه، ونطالب الحكومة بإلغائه لإعادة الاعتبار لمكانة الكويت وسمعتها». انتهاكات مستمرة من جهته، قال النائب السابق صالح الملا إن منع الكاتبة السعودية بدرية البشر من دخول الكويت اضافة جديدة لانتهاكات مستمرة لحرية الفكر والتعبير والاعتقاد.وأضاف الملا على موقعه في «تويتر» «يا سلطة حرية الفكر لا نقاش فيها لأنها مبدأ دستوري... فلماذا يمنع صاحب الرأي والفكر من دخول دولة سميت بدولة ديمقراطية؟»، مضيفا «رسالة اخيرة للحكومة وللمتشدقين بها وبحمايتها... الدستور ليس صندوق انتخاب تدعون إليه... الدستور ضمانة لحرية الاعتقاد والفكر والرأي».وقال: «لن أتحدث أو أناقش المستوى الفكري والثقافي للحكومة... لكن السؤال المُلح... هل يعرف أحد أفرادها من هي بدرية البشر؟! سؤال برسم الرئيس».مبررات واهيةمن جانبه، أوضح عضو التيار التقدمي احمد الديين ان قضية منع دخول الكتاب والمفكرين والشخصيات الثقافية الى البلاد تكررت في الآونة الأخير بمبررات واهية.وأضاف الديين في تصريح لـ»الجريدة» ان مثل هذه القرارات تعتبر تعسفية، وتسيء لسمعة الكويت في الخارج وتحولها الى بلد منغلق على ذاته، وكأنه محاط بستار حديدي، لافتا الى ان «من المفترض ألا نكون كذلك، فالكويت بلد مستقل وحر، تتلاقح فيه الأفكار من الجميع، ولا يجوز منع أي شسخص من الدخول بسبب أفكاره وآرائه».وتابع «نستطيع ان نفهم قرار منع الدخول لشخص له صلة بالإجرام الخطير أو إرهابي، لكن من غير المفهوم ان يتصل المنع بشخصيات ثقافية وكتاب رأي ومفكرين».الشاعر الدكتور خليفة الوقيان أوضح في حديثه لـ«الجريدة» أن قرار منع الكاتبة لا يخرج عن سلسلة من الأحداث التي توضح مدى تغلغل القوى المتطرفة في مفاصل الدولة، وتابع: «قلت رأيي أكثر من مرة في هذا المجال، وأنا ضد هيمنة القوى الأصولية المتشددة على البلد في كل المجالات، وفي مقدمتها التعليم والثقافة، وعملية بناء الإنسان، ويبدو أن الدولة تخلّت عن دورها وأسلمت القياد للقوى الأصولية التي تمارس ضغوطا مخالفة لما نص عليه دستور الكويت، فمن منع للكتب إلى منع للمفكرين الذين تختلف هذه القوى مع رؤاهم الفكرية إلى العبث في مناهج الدراسة وصياغتها بصورة تؤدي إلى تدمير كل منجزات الإصلاح والتنوير التي حققها الرواد الأوائل في الكويت».الكاتب يستحق الاحتراممن جانبه أكد الأكاديمي والناقد د. سليمان الشطي أن مصادرة أي فكر هي اعتداء على الإنسان وحقه في إبداء الرأي. وفي ما يتعلّق بمنع البشر قال: أجهل الحيثيات المتعلقة بالمنع، ولكن ما أستطيع قوله ان أي كاتب في الكون يستحق الاحترام، وفي حالة الكاتبة البشر لابد أن هناك جهة ما رفعت هذه الدعوى ضدّها، ويبدو أن وزارة الإعلام هنا اختارت الطريق الأسهل، وهو طريق المنع، وهناك آخرون كثر تعرضوا لمثل هذا.وأوضح الشطي أنه «من المتوقع والمرجو من وزارة الإعلام أن يكون لها موقف دفاعي، للدفاع عن الكتاب وتوضيح هذه الجوانب الإبداعية للجهة القضائية حتى لا ندخل في دائرة التضييق على الكتّاب، والدخول في نواياهم، لمجرد الاعتماد على تأويل واحد فقط من التأويلات وإصدار الأحكام عليها هي قضية مرفوضة شكلا ومضمونا».وكشف الشطي عن موقف مماثل كان قد تعرض له، وقال: «شخصيا سبق أن رُفعت عليّ دعوى من وزارة الإعلام بسبب أن أحدهم تطوّع في استخدام (الحسبة) فاضطررت إلى أن أدفع عن نفسي بمذكرة كاملة، وأن ما قلته في كتابي هو معلوم ومشهور ووارد في كتب كثيرة، وبرغم ذلك (تجرجرت) في المحاكم، لا لشيء إلا لأنني ناقشت فكرة ما، وهم أوّلوها بحسب ما يرون، وأعتقد أن الأمر بالنسبة إلى الكاتبة البشر لا يخرج عن هذه الدائرة، وكل كاتب يحترم الكلمة والحرف، ويجل حرية الرأي، لا يتوقف عن استنكار مثل هذه المواقف».عودة إلى الوراءالأديبة ليلى العثمان أبدت تعجبها مما حدث وقالت: «بالنسبة إلى بدرية البشر، من المفترض ألا يُتخذ هذا الإجراء ضدها باعتبارها ضيفة، ومواطنة خليجية، وهذا تصرّف غير لائق من الكويت، تجاه أديبة مرموقة، مثل البشر، ولو أن ثمة قضية من هذا النوع ضدّها، كان يجب أن تُخبر بها، ومن ثم يسمح لها بالدخول إلى الكويت، وتأخذ القضية مجراها الطبيعي، مع حقها بالدفاع».وقالت العثمان إن «المتشددين والأصوليين في الكويت لا يحتاجون إلى برلمان قائم لفرض وصايتهم، بل هم في كل أوقات العام يفتشون بين الكتب للخروج بجملة أو عبارة، تتخذ ذريعة للنيل من هذا الكاتب أو ذاك».وتضيف العثمان، على المستوى الشخصي، أعرف بدرية البشر هي إنسانة خلوقة، وراقية في تعاملها مع الآخرين.وعن مجمل حال البلد قالت العثمان: كلما قلنا إن بلدنا يواكب الديمقراطية، وأصبح منفتحا، ومتنفسا للجميع، نجد مثل هذه التصرفات التي تعيدنا إلى الوراء.وفي تعليقها على ردود الفعل الكويتية المستنكرة لمنع دخولها البلاد، أكدت د. البشر شكرها لتعاطف أهل الكويت معها، قائلة: "كلماتكم وصلتني ودعمكم هو مكسبي الأكيد". إصدارات البشر في معرض الكتابفي معرض الكويت للكتاب، يجد الباحث عن عناوين الدكتورة بدرية البشر إصدارات موزعة على دور نشر عربية مختلفة، فيرى كتاب «وقع العولمة في مجتمعات الخليج»، وهو كتاب يتضمن رسالة الدكتوراه للبشر الصادر عن مركز دراسات الوحدة العربية عام 2008 في 294 صفحة، وترصد البشر من خلاله أثر العولمة على المجتمع الخليجي، بالتركيز على نموذجين هما الرياض ودبي.وقد سمحت الرقابة في معرض الكتاب بتداول هذا الإصدار في الكويت، وحسب مندوب مركز دراسات الوحدة العربية ان نسخ الكتاب نفدت من الأيام الأولى للمعرض، مؤكداً أن الرقابة لم تحظر هذا الكتاب.وفي ركن آخر من المعرض، تجد رواية «حبّة الهال» متوافرة في جناح دار الآداب اللبنانية، وتؤكد مندوبة الدار أن الرواية مطلوبة شأنها شأن الإصدارات الأخرى للدكتورة البشر.أما جناح المركز الثقافي العربي، فيشير مندوب الدار إلى أن ثمة إصدارات كثيرة للدكتورة، لكن الرقابة الكويتية ترفض تداولها في المعرض، ومن هذه الإصدارات «هند والعسكر»، والكلام ذاته تكرر من دار الساقي، إذ أكد المندوب أن الدار لا تستطيع تسويق أعمال الدكتورة بدرية البشر، بسبب الحظر الرقابي المفروض عليها لاسيما رواية «الأرجوحة».وخلال جولة «الجريدة» في المعرض، أكد أحد العاملين في دار نشر أن الرقابة ربما لم تنتبه إلى أحد عناوين البشر فسمحت له بالتداول، مستغرباً من ازدواجية المنع والحظر في الوقت ذاته، وكذلك منتقداً المزاجية والانتقائية، ويرى أن هذا التشدد لم يعد مستساغاً على الإطلاق، لاسيما في زمن العولمة.