لابد من وقفة مع الذات!
لابد من الكتابة مرة ثانية وثالثة... وعاشرة عن الإخوان المسلمين، إن في مصر وإن في بعض الأقطار العربية الأخرى، وأن ننتقدهم من موقع المختلف لكن الحريص على ألا يقعوا في الأخطاء التي وقعت فيها فصائل الحركة القومية التي سبقتهم إلى الحكم طالما أن الفوز الذي حققه "إخوانهم" المصريون قد عزز لديهم شهوة الوصول الى السلطة بسرعة، وطالما أنهم أصبحوا على مفترق طرق جديد، وأن هذا يملي ويفرض عليهم أن يبادروا إلى وقفة مع الذات ومراجعة كل حساباتهم وبرامجهم وأوهامهم وأدبياتهم وشعاراتهم ومنطلقاتها السابقة. الآن وبعد هذا الانتصار الذي حققه "إخوان" مصر فإنّ على الإخوان المسلمين، إن في الأردن وإن في الكويت وإن في دول عربية أخرى لهم وجود حقيقي وفعلي فيها أن يسارعوا إلى التلاؤم مع هذا الواقع الجديد، وأن يعيدوا النظر في أوضاعهم التنظيمية ومواقفهم السياسية ومنطلقاتها النظرية، فهذه المرحلة المستجدة غير كل المراحل السابقة، وإذا كان "الهدم" هو عنوان تلك المراحل السابقة فإن البناء يجب أن يكون هو عنوان هذه المرحلة الجديدة التي من المفترض أنها بدأت في اللحظة التي أُعلنت فيها نتائج الانتخابات الرئاسية المصرية الأخيرة. ربما أن شعار: "الإسلام هو الحل" صحيحٌ في مرحلة سابقة تقتضي استدراج عواطف الناس وحشدهم في اتجاه الإخوان المسلمين وإبعادهم عن الاتجاهات والحركات والقوى والأحزاب القومية واليسارية وعن دعوات "مدنية" الدولة والمساواة في "المواطنة" وشعار "الدين لله والوطن للجميع". أما الآن وقد بدأت مرحلة جديدة تختلف اختلافاً كلياً عن المرحلة السابقة فإن المفترض أن يتخلى الإخوان المسلمون عن كل شعاراتهم القديمة أو معظمها، فهناك واقع جديد يفرض عليهم أن يتوجهوا إلى كل أبناء شعبهم بدون تمييز بين المسلم والمسيحي وبين الروحاني والعلماني وبين المتديِّن والماركسي–اللينيني وبدون الاستمرار في النظر الى المرأة على أنها ضلع قاصر وأن مكانها هو المطبخ لا مواقع المسؤولية ومن بينها رئاسة الدولة ورئاسة الوزراء وكل محطات القضاء حتى المحطات العليا ومن بينها المحكمة الدستورية! من الآن فصاعداً غير مقبول أن يبقى "الإخوان المسلمون" تنظيماً سرياً منغلقاً على نفسه له عاداته وتقاليده الخاصة، ومن الآن فصاعداً غير مقبول أن يبقى هؤلاء يتمسكنون ويتخذون وضعية الضحية المعتدى عليها والمُستهدفة باستمرار، ومن الآن فصاعداً يجب إما أن تتحول "الجماعة" إلى حزب سياسي ينطبق عليه ما ينطبق على الأحزاب الأخرى وله ما لها وعليه ما عليها، وإما أن تنضوي في إطار الجمعيات الخيرية. أما أن تبقى الأمور عائمة على هذا النحو فإن هذا غير جائز على الإطلاق فالمرحلة المستجدة هي مرحلة الواقعية وهي مرحلة تصويب الأوضاع، ولهذا فإنّ على "الإخوان" أن يصوبوا أوضاعهم وأن يبدأوا بمخاطبة شعوبهم بلغة غير اللغة السابقة، وأن يكفوا عن محاربة طواحين الهواء، وأن يتلاءموا مع المستجدات التي ترتبت على فوز "إخوانهم" في مصر في الانتخابات الرئاسية الأخيرة.