هل مازلنا نثق بالإعلام العربي؟ هل مازالت هناك درجة صدقية يتمتع بها لكي نصدق ما تبثه مئات المحطات الناطقة بالعربية، وهي في ازدياد مستمر؟

Ad

الفارق بين الإعلام والإعدام حرف واحد، فلا الدال دلتنا على الطريق، ولا اللام كذلك، فهل يتساوى إبقاء حرف مع حذف حرف، من يدري؟ في النرويج وهي البلد الأول تنموياً في العالم، قَتل متطرف نرويجي عنصري، منذ أقل من سنة، ٧٧ شاباً بدم بارد، فكانت أبشع جريمة مرت عليهم، بل إنها كانت أكبر جريمة قتل في العالم لهذا العدد من الضحايا ينفذها شخص واحد، ومع ذلك لم يطلب أحد تغيير القانون الذي لا يسمح بالإعدام، علماً بأن الشعب النرويجي كان قبل قرن من الزمان شعباً متطرفاً. الإعلام هناك أقام حملات تضامن مع ذوي الديانات الأخرى وخاصة المسلمين، الإعلام هناك كان حريصاً على ألا يعدم المجتمع، بل كان إعلاماً لبناء وطن التعايش والتسامح في الظروف الصعبة. فما هو الفرق بين هنا وهناك، حرف الكاف مثلاً؟ ربما! فهل يجرؤ إعلامنا العربي على تحدٍّ من هذا النوع؟ أم ان الفعل الذي يقوم به الإعلام العربي لا يعدو كونه شكلاً من أشكال إعدام المجتمع، بتدميره وتفكيكه وكذبه واختلاقه لأحداث لم تحدث مطلقاً؟.

كنا ومازلنا، وكأننا الوارثون لبروباغاندا غوبلز. ولكي يضفي هتلر المشروعية على نازيته وعنصريته، كان بحاجة إلى عبقري تزييف وعي مثل غوبلز، فكانت مقولة "اكذب، اكذب، اكذب، حتى يصدقك الناس" وقديماً قيل "كذب مصفف أحسن من صدق ملخبط" هي هكذا إذن قواعد تزييف يعتمد عليها مَن يدعي الحصافة، والذين يدّعون الدفاع عن قيم المجتمع. كنا ومازلنا أمام مأزق حقيقي في حقيقة الدور الذي يلعبه الإعلام، ما هو المنشود، وما هو المزعوم، وما هو الحادث على أرض الواقع؟.

وفي لحظة تأمل استرجعت فحوى دراسة قمنا بها عن مواقف عينة لمن يسمونهم الكتاب الكبار، حيث اتضح أن كثيراً منهم لم يدافع بجدية عن قيم حرية التعبير، بل دافع بفذلكة عجيبة عن أفعال أنظمة اتصفت بالرعونة والقسوة، وبرر لها بكل الكلمات الموجودة في القاموس، فإن لم يجدها في القاموس اختلقها اختلاقاً لتبرير موقف هذا النظام أو ذاك، وما إن اختلف معه النظام لسبب أو لآخر حتى وجدناه منافحاً عن قيم حرية التعبير ومناضلاً في سبيل تحقيق مبادئ المادة ١٩، هكذا دون حبة خجل، فما إن تغير النظام وأصبحت له رنة مختلفة حتى وجدناه يعود إلى عادة المراوغة مرة أخرى.

حكاية الإعلام ودوره المدمر في المجتمع واستخدامه في يد أصحاب النفوذ وكتاب الطوائف والفئات والشرائح هي حكاية تروى، وفي كل الأحوال فإن أولئك الكتاب والناشرين والملاك لا تتم محاسبتهم، بل يعودون ليتكلموا بشعارات جديدة حيث يصبحون مكافحين للفساد ودعاة للحرية وبراءة الأطفال في أعينهم، ولا حول ولا قوة إلا بالله.