لا بد للمرء أن يوجد في داخله ما يخافه، وإن لم يجد ذلك "الشيء" عليه أن يعمل جاهدا لخلقه.
بغض النظر عن ماهية ذلك "الشيء" الذي يخافه المرء، إنما عليه أن يبحث عن وجوده في جوهر ذاته، وإذا ما وجده عليه أن يمسك عليه بكل ما أوتي من إيمان به! المرء الذي لا يخاف مخيف، إنه كارثة تمشي على قدمين، إعصار بلا لجام، عربة سباق بلا فرامل وقائدها فاقد الأهلية. الخوف نعمة إنسانية عظمى، الخوف ليس نقيض الشجاعة، فالشجاعة نقيضها الجُبن، أما الخوف فنقيضه القنبلة التي لا يعرف مخترعها ساعة انفجارها ولا طريقة إيقافها، نقيضه فن صناعة الدمار، أو إن شئت الدمار بلا أدنى فن! ونقيض الخوف تربية الثعابين السامة في صدورنا وخلف أضلعنا وغسل ألسنتنا بسمومها. الخوف يحمينا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا. يقيّد نزعاتنا الشيطانية الكامنة فينا، بعض هذه النزعات قد يكون ظاهراً على سطح الذات الإنسانية لبعضنا، وقد يكون بالنسبة للبعض الآخر غائصاً في أقصى تلك الذات، غائرا في أعماقها، مختبئا في دهاليزها شديدة الظلمة. الخوف يعيد صياغة غرائزنا، يؤنسنا من جديد، يهذّب حاجاتنا، "ويشَرْعن" رغباتنا، يقوم مقام المقص الذي يجزّ الحشائش الضارة في حديقة عقولنا وقلوبنا، لا يترك الجراد يلتهم أشجار أرواحنا المثمرة. الخوف يُمدّننا، يذكّر المرء بأنه لا يعيش وحده في هذا العالم، ولا يجعله يشعر بأن العالم مِلْك له وحده، فإذا أُنتزع منّا الخوف أصبحنا وحوشاً مفترسة لا تفكر بنتائج المحاولة لالتهام بعضها، وأحال كلاً منّا إلى عربة بلا مكابح لن تتوقف إلا بعد السقوط في الوادي السحيق، أو بحادث شنيع يودي بحياة آخرين. إذا ما انتُزع الخوف من امرىءٍ أصبح لا يرى، وإذا رأى فإنه لا يرى سوى لون واحد هو لون عينيه هو، ولا مرآة سوى مرآته، ولا طريق سوى ما تخطّه قدماه، الإحساس بأن ليس ثمّة ما نخافه هو الذي صنع الدكتاتوريات، وصَنع الطغاة الظالمين، والمجرمين، والفاسدين. وهو الذي سرق حليب الأطفال أو سمّمه، وكذلك لوّث الهواء الذي تستنشقه رئاتنا. إذا كان هناك ثمّة ما يخافه الفرد منّا فذلك يعني أنه بصحة عقلية، وعافية روحية، وكل من يحاول إقناعنا بعكس ذلك فهو يريد بنا الهلاك لا محالة. حين يُقال لا تخف، خِف مرتين! ضرورة قصوى أن نؤمن أن هناك من سيعاقبنا على سوء أعمالنا، وأنه لن يغضّ الطرف عمّا نرتكبه من أخطاء، وما نسبّبه من أذى للآخرين أو حتى لأنفسنا، وأن هناك من سيصلانا بنار جحيمه إن نحن قمنا بفعل شنيع. ذلك الخوف هو أماننا، إذ لابد من وجود ما نخاف منه حماية لأنفسنا والآخرين، ذلك الذي نخاف منه ليس مهمّاً، فذلك موضوع آخر، المهم أن يكون هناك ما يخيفنا، سواء كان الله، ومن كان لا يؤمن بذلك فليختر ما يشاء: الضمير، القانون، "البعبع"، "حمارة القايلة"، "أُمّنا السعلوّه"، أو أي شيء آخر يبتكره ليخاف منه، المهمّ أن يُوجد المرء ذلك الذي يخشى عذابه الشديد، ويعِدُه بجحيم لا يطيقه إن هو سلّم زمام نفسه لشيطانه القابع في داخله، وبخلاف ذلك تصبح الحياة مغامرة كبرى وخطيرة.
توابل - ثقافات
الخوف نعمة
20-09-2012