صدرت توصيات جديدة حول مرض فقدان الشهية المعروف بـ«الأنوريكسيا»، تنصح المريض بتعزيز إرادة الشفاء لديه والتقليل من دخول المستشفيات. إليكِ شهادات ثلاث نساء يحكين عن معركتهنّ (ومعركة بناتهنّ) ضد هذا الاضطراب الغذائي.

Ad

يصيب مرض فقدان الشهية الفتيات المراهقات بنسبة 90% حول العالم، علماً أنه قد يصيب الشبّان والرجال. يزيد خطر الإصابة به بصورة خاصة لدى عارضي الأزياء والراقصين والرياضيين الذين يولون لياقتهم البدنية اهتماماً كبيراً.

صحيح أن فقدان الشهية داء يصيب السلوك ويساعد الإنسان على التخفيف من القلق والتوتر في حياته، إلا أنه في المقابل مرض هدّام قد يقلب حياة المرء رأساً على عقب. يُخيّل عادةً للأشخاص الذين يعانونه أنهم قادرون على الشفاء منه وتجاوزه، علماً أنهم يكونون في حقيقة الأمر غارقين في المرض حتى النخاع. هنا تروي ثلاث نساء قصصهن مع هذا المرض الصامت:

مها (24 عاماً):

تجارب أليمة

«منذ عامين تقريباً، سافرت إلى ألمانيا لأقوم بتدريب لبضعة أشهر وأقمت في المدينة التي كان يعيش فيها أخي. كانت تلك المرّة الأولى التي أعيش فيها بمفردي، كنت سعيدة ومتحمّسة ومغرومة... كانت الأمور كافة في حياتي تسير على ما يرام.

لطالما كنت فتاة رياضية (كنت أمارس منذ الطفولة التمارين الرياضية وركوب الخيل)، لكني رغبت آنذاك في فقدان بضعة كيلوغرامات لأنحف بعض الشيء. هنا، وقعتُ أسيرة هذا المرض. سرعان ما بدأت أشعر بأني عاجزة عن تناول الطعام، وبأني أشعر بالخوف منه، وبأني فقدت زمام الأمور في حياتي. فقدت حينها 10 كليوغرامات واستمر وزني في النقصان بعد عودتي إلى بلدي... في غضون بضعة أشهر، تراجع وزني من 62 كيلوغراماً إلى 40 كيلوغراماً علماً أن طولي يبلغ 1.71 متراً!

تراجع وزني المستمر دفعني إلى القبول بدخول المستشفى. أثارت حالتي قلق والديّ اللذين اصطحباني إلى كثير من الأطباء. بعد زيارات عدة، وافقت على دخول مستشفى متخصص لمعالجة الاضطرابات الغذائية. في البداية، وجدت التجربة صعبة للغاية وشعرت بأني معزولة عن العالم وبأني مضطرة إلى زيادة وزني. خلال شهرين، أصبح مؤشر كتلة الجسم الخاص بي 18 فغادرت المستشفى. تابعت تدريبي وحصلت على شهادة في التجارة.

اليوم، أخضعُ لإشراف معالج نفسي واختصاصية تغذية يساعدانني على اتباع نظام غذائي صحي وسليم. أزور بين الحين والآخر المستشفى حيث ألتقي أشخاصاً آخرين يعانون المشاكل نفسها. أشعر بأني أصبحت أكثر قوةً وقدرة على فهم الأسباب التي أوصلتني إلى الحالة التي أنا فيها مثل تجارب أليمة عشتها خلال الطفولة، وخوفي من المراهقة... أعي جيداً بأن توازني لا يزال هشاً، إلا أني مستعدة دوماً لطلب المساعدة متى دعت الحاجة إلى ذلك. فقدان الشهية داء مخيف، لكن تتوافر لحسن الحظ طريقة للخروج منه!».

لينا (45 عاماً):

أصبت بالشراهة

«لم أشعر بأني بدأت أشفى من مرضي إلا في عمر الثلاثين. في الثانية عشرة من عمري، كنت أسمن بقليل من صديقتي الحميمة. بدأت باتباع حميات قصيرة مع والدتي. كان أصدقائي كثراً وكانت علاماتي جيّدة في المدرسة، إلا أني كنت لا أنفك أقسو على نفسي. قبل بلوغي السادسة عشرة، قرّرت اتباع حمية غذائية حقيقية فخسرت تسعة كليوغرامات خلال شهر واحد، مخفّضة بذلك وزني من 57 كيلوغراماً إلى 48 كيلوغراماً. في الصباح، كنت أشرب الشاي وأتناول على الغداء حبتي طماطم وتفاحة، وأعدّ الطعام لأفراد عائلتي مساء من دون أن أتذوّقه.

لم أكن أتناول الطعام، ومع ذلك لم يلحظ أحد اضطراباتي الغذائية. عندما حاولتُ العودة إلى عاداتي الغذائية القديمة وتناول الطعام بصورة طبيعية، انتابني خوف ما بعده خوف من الوزن الزائد. رحت أعاني مشاكل في الدورة الشهرية ونوبات غضب قوية. اصطحبتني والدتي إلى طبيب نسائي نصحني بمراجعة طبيب نفسي. عندما زرت الطبيبة النفسية، هدّدتني بإدخالي المستشفى إن خسرت كيلوغرامين إضافيين (وصل وزني حينها إلى 44 كيلوغراماً). أيقظني تهديدها هذا من سباتي العميق. عليه، بدأت بتناول الطعام. في صيف ذلك العام، حصلت على شهادة الثانوية العامة كما تعرّفت إلى شاب وقعت في غرامه. كنت أملك مقوّمات الحياة السعيدة كافة. مع ذلك، زاد وزني 12 كيلوغراماً في ظرف شهرين. في السنة الأولى من الجامعة، كانت تنتابني نوبات شراهة واكتئاب قوية لدرجة كانت تدفعني إلى التقيؤ. في سن الثالثة والعشرين، لجأت إلى جمعية معنية بمساعدة مرضى الاضطرابات الغذائية، خضعت للعلاج وشفيت من فقدان الشهية ومن الشراهة».

سلمى والدة فرح (15 عاماً):

سعيدة باهتمامي بها

«بدأت ألاحظ عوراض المرض الأولى عندما كانت ابنتي فرح لا تزال في الرابعة عشرة من عمرها. كانت تدرس في مدرسة داخلية وكانت تعمد، عند عودتها إلى المنزل في أيام العطلة، إلى مساعدتي في تحضير الطعام علماً أنها لم تكن تفعل ذلك سابقاً. كانت تحرص على ألا أكثر من الزبدة، وتقرأ المعلومات المكتوبة على الأطعمة كافة التي نشتريها. لاحظت أنها لم تعد تأكل لا الحلويات ولا الشوكولا وأنها تفرط في ممارسة الرياضة. شعرت بالقلق بشأنها فاصطحبتها إلى طبيب العائلة ليكشف عليها. مع بداية السنة الدراسية الجديدة، كانت فرح قد خسرت 8 كيلوغرامات وانخفض وزنها ليصبح 38 كيلوغراماً (طولها 1.56 متراً).

نصحني الطبيب باستشارة اختصاصي، إلا أنه لم يعطني اسم طبيب أستطيع اللجوء إليه. شعرت بأني وحيدة وبأن ابنتي في خطر وعليّ بذل كل ما في وسعي لمساعدتها! بعد تصفحّي عدداً كبيراً من المواقع الإلكترونية ومجلات عدة، وقعت على اسم معالجة نفسية.

اليوم، بعد مرور عام على ظهور العوارض الأولى لمرض فقدان الشهية، استعادت فرح تقريباً وزنها الأساسي وهي تحيا اليوم حياة طبيعية. إنها تقصد المعالجة النفسية واختصاصية التغذية مرّتين شهرياً، والطبيب النفسي مرّة شهرياً. تقصد المدرسة الثانوية بانتظام وتشارك في صفوف الرياضة وتمارس هواية الرسم التي تعشقها. أما في المنزل، فنتحدث بكل صراحة وانفتاح عن تجربتها مع المرض مع أختيها الأصغر منها سناً. يبدو لي أن فرح سعيدة باهتمامي بها».