وكأن لتوقيت رحيل المناضل جاسم القطامي مغزى، فقبل رحيله بأيام رحل عنا أيضاً رفيق درب له، هو عبدالمحسن الدويسان، رحمه الله، وكلاهما كان من أصحاب الرأي الصلب، المتماسك، ولكن لماذا نذكر رجلاً برجل آخر؟ هي العلة المفقودة في يومنا هذا، وهي ربما السبب الذي دفع د. أحمد الخطيب، رفيق درب آخر، أن ينجز مذكراته، حيث كان هدفه القول إن التحول الديمقراطي لم يكن ليحدث لولا وجود مجموعات من الوطنيين تدفع باتجاه انتقال الكويت من الحكم المطلق الى حكم دستوري مؤسسي. ومن الضرورة التأكيد على جماعية ومؤسسية الحراك الشعبي للرد على بعض الطروحات الساذجة التي زعمت أن التحول الديمقراطي كان قد جاء بأوامر خارجية، هكذا انطلق جاسم القطامي ورفاقه غير ملتفتين إلى الوراء، شاخصة أبصارهم إلى المستقبل الآتي المرتكز على مجتمع المساواة والعدالة وتكافؤ الفرص والديمقراطية، فكان أن حققوا جزءاً ظاهرياً منه بصدور دستور 1962، ليكتشفوا لاحقاً أن حائط الصد السلطوي كان عالياً. وكانت استقالة جاسم القطامي كمدير للشرطة في 1956، ومن ثم انخراطه بشكل مباشر في العمل السياسي القومي وهكذا كان. وفي سنة 1959 تمت الدعوة الى اجتماع حاشد باستاد ثانوية الشويخ للاحتفال بمرور سنة على إعلان الوحدة بين مصر وسورية، وقد تمت دعوة شخصيات عربية مؤثرة حينذاك كما حضر بعض الشيوخ، وهنا ألقى خطاباً شهيراً انتقد فيه السلطة بالكويت نقداً لاذعاً وأعلن أنه قد "آن الأوان لحكم شعبي ديمقراطي يكون للشعب فيه دستوره ووزراؤه"، كان ذلك قبل الدستور فرفع السقف عالياً في زمن كان ثمن الكلمة فيه أعلى بكثير من يومنا هذا. وهكذا تعرض للاعتقال وسحب جوازه وتم فصله من عمله كمدير لشركة السينما وفرض إقامة جبرية عليه، كما تم اعتقال عدد من المناضلين وأغلقت الصحف والأندية الثقافية والرياضية التي كانت مراكز للعمل الشعبي. تدافعت السلطة في إجراءاتها لما يمكن تسميته بتعديل وزاري جذري، على التشكيلة الحكومية، حيث تم دمج الشرطة (الداخلية) بالأمن العام (الدفاع) تحت قيادة الشيخ عبدالله المبارك وتعيين الشيخ سعد العبدالله نائباً له ونقل رئيس الشرطة السابق الشيخ صباح السالم إلى دائرة الصحة. وقد أدى هذا التعديل ضمن أسباب أخرى إلى "زعل" أحد أركان النظام، وهو الشيخ فهد السالم إذ غادر البلاد بيخته وانتقل إلى رحمة الله. كانت تلك الأحداث فاتحة لما سيليها من بوادر التحضير للاستقلال والتي كان جاسم القطامي يمثل فيها رأس حربة لا تنكسر. مرحلة النهوض التي أنجبت الدستور وبالذات ما بين الـ59 والـ61 لم تكن نبتاً شيطانياً، بل كانت فعلاً راسخاً في البلد الصغير بصمود وتفاني شخصيات على شاكلة جاسم القطامي، ولهذا قلنا إن سيرته هي مسيرة وطن. وللحديث بقية.
Ad