ما كان على الأخضر الإبراهيمي أن يقبل بهذه المهمة، التي وصفها هو نفسه بأنها "مستحيلة"، وما كان عليه بعد أن قبلها ولم يستمع إلى النصائح التي أُسديت إليه أن يتقدم باقتراح "هدنة العيد" المتبادلة، فقد كان واضحاً ومعروفاً أنه لم يعد هناك أي أملٍ بأي حلول سياسية، فالأمور تجاوزت كثيراً هذه المسألة وأصبح الوضع: "إمَّا قاتل أو مقتول، وإما منتصر أو مهزوم" بعد سقوط كل هذه الأعداد من القتلى والجرحى والمفقودين والمعتقلين وبعد استمرار هذه الحرب الطاحنة المدمرة كل هذه الفترة الطويلة.

Ad

وبلا أي شك فإن الإبراهيمي، الذي جاء على أنقاض مهمة كوفي أنان الذي مرمطته اللعبة الدولية والإقليمية شرَّ مرمطةٍ، كان يعرف أنه ذاهب الى الميدان بلا أسلحة، وأنه كُلِّفَ بهذه المهمة الصعبة، التي ولدت ميتة وبدأت فاشلة وانتهت فاشلة، بدون أي أفق وبلا تصورٍ ولا خطة، سواء أكانت مستولدةً من خطة من سبقه أم جديدة، ومن ثم فإنه ذاهب إلى انتحارٍ سياسي ما كان عليه أن يذهب إليه.

لقد بقي حلفاء نظام بشار الأسد، الروس والإيرانيون ومعهم للأسف الصينيون، يتلاعبون بعامل الوقت نحو ثمانية عشر شهراً، وقد "ضحكوا" على الجامعة العربية وعلى العرب والغرب وأوروبا والولايات المتحدة كل هذه الفترة، ولهذا فقد كان عليه أن يأخذ بالحديث النبوي الشريف القائل: "السعيد من اتعظ بغيره والشقي من اتعظ بنفسه"، وألا يقبل بمهمة كان مؤكَّداً أنها بدأت فاشلة وأنها ستنتهي فاشلة.

ولعلَّ ما زاد الطين بِلَّة أن "سي لَخْضر" لم يدرك أنه يتعامل مع وضع بات شديد التعقيد، إن في الميدان في ساحة القتال التي غدت تحتل الجغرافيا السورية كلها، وإن على الصعيدين الإقليمي والدولي، فبادر إلى حكاية "عطلة العيد المتبادلة" التي كان من الواضح أن بشار الأسد لن يقبلها وأنه سيتعامل معها بطريقة الاستفادة من عامل الوقت، وذلك لأن قبوله بها يعني الاعتراف بالمعارضة المسلحة التي يعتبرها "مجموعات إرهابية" لا يمكن التعاطي معها إلا بالسلاح والقنابل والصواريخ والطائرات.

لم يدرك الأخضر الإبراهيمي هذا وهو لم يتراجع عن الإصرار على الاستمرار بالخطأ حتى بعد لقائه الرئيس السوري، الذي من المؤكد أنه أسمعه كلاماً لا يليق به كمبعوث عربي دولي ولا بالجزائر بلده ولا بمكانته وسمعته وتاريخه، فتقدم باقتراحٍ عبثي آخر دعا فيه الطرفين المتحاربين إلى أن يبادر كلٌّ منهما إلى وقف إطلاق النار بالطريقة التي يرى أنها ملائمة وفي الوقت الذي يختاره وفي المكان الذي يُفضِّل أن ينطلق منه... فهل هذا معقول؟ وهل يمكن لهذا أن يصدر عن رجل صاحب باعٍ طويل في الألاعيب السياسية؟! لقد دفعت الأمم المتحدة، ومعها الجامعة العربية، الأخضر الإبراهيمي الى هذه العملية الانتحارية، التي دمَّرت سمعته الدبلوماسية وأساءت الى تاريخه السياسي، من قبيل ما يسمى "وهْم الحركة" ومن قبيل تعبئة الفراغ الذي نجم عن فشل سلفه كوفي أنان الذي انسحب والإحباط يمزق نفسه، وأيضاً من قبيل المراهنة، بالنسبة إلى بعض العرب والأوروبيين، على ما سيكون بعد الانتخابات الأميركية التي لم تعد تفصلنا عنها إلاّ أيامٌ قليلة، وعلى أمل أن تتخلى الولايات المتحدة عن ترددها المثير للتساؤلات والشبهات وتحسم أمرها وتلجأ إلى خطوة، غير عسكرية، ولكنها حاسمة لوضع حدٍّ لهذه المأساة التي طال أمدها.