انتقل إلى العدم مجلس أمة ٢٠٠٩، وهو مجلس كله سوابق، فهو مجلس يتم حله مرتين، وهي سابقة نادرة الحدوث في العالم. ففي المجالس الـ١٤ منذ ١٩٦٣ تم حل ٩ مجالس، أي أكثر من النصف، اثنان منها بحل غير دستوري و٧ بحل دستوري. لا أعرف عندما نكتب تاريخ الحياة السياسية هل سنذكر مجلس ٢٠١٢ باسمه الشائع "المجلس المبطل" أم بصفة أخرى، وكيف سنتعامل مع شهادتي وفاة لمجلس ٢٠٠٩، وأي منهما كان حلاً حقيقياً وأيهما الافتراضي؟
من ٢٠٠٦ حتى ٢٠١٢، ست سنوات، حقبة اللااستقرار، مليئة بالجديد والسوابق الجنائية والسياسية.المسار السياسي حتى الآن ومنذ حكم المحكمة الدستورية يسير في الاتجاه الصحيح، ومع كل التسويف الحكومي، ومحاولات العبث من متنفذين وسياسيين وغيرهم، وخلق حالة فراغ دستوري غير مبررة، إلا في حالة إصدار مرسوم ضرورة يخفض عدد الأصوات فهو لا ضرورة له، فهدفه معروف وهو التأثير على نتائج الانتخابات، تماماً كما حدث في ١٩٨١ بغرض تنقيح الدستور، فكيف تقوم السلطة التنفيذية بإصدار مرسوم ضرورة لتعديل قانون الانتخاب لكي تأتي النتائج على هواها؟ومع رفضنا لتصعيد البعض غير المبرر، فالمسألة تتجاوز نفراً متهوراً أو ساعياً لكرسي أو إعادة انتخاب. فإن موضوع مبدأ التدخل الحكومي السافر لتغيير قانون الانتخاب للحصول على نتائج تتفق معها يجعل من ديمقراطيتنا عبثية ولا معنى لها، كما أن إجراء انتخابات بموجب قانون الانتخاب الذي حصنته المحكمة الدستورية، أي ٥ دوائر و٤ أصوات أقل كلفة سياسية بكثير من تعديل نظام التصويت.وتبقى المشكلة الرئيسة ليس ما يقال أو ما يشاع أو ما يذاع أو ما حدث أو ما سيحدث، فكل ذلك ليس إلا تفاصيل ونتائج، وليس سبباً للترهل العام وحالة الاحتقان السياسي بل المشكلة هي موقف السلطة الرافض لديمقراطية حقيقية قائمة على العدالة والمساواة واحترام كرامة الإنسان والتعددية وتداول السلطة، وللأسف فإن نفراً غير قليل من الفاعلين السياسيين حتى من بين "المعارضين" يشاركون السلطة في ذلك من خلال موقفهم المعادي للحريات العامة ومبادئ دستورية راسخة، بالإضافة إلى مواقفهم العنصرية والطائفية المعلنة. الحقيقة هي أن أغلب الفاعلين في الحياة السياسية بما في ذلك السلطة بتفريعاتها لا يريدون ديمقراطية حقيقية ولا يؤمنون بمبادئ الدستور، وفي تقديري فإن ما يجري الآن هو حالة مخاض حادة وعسيرة، نتاج السنوات الماضية، ستنتهي ببزوغ حقبة للاستقرار السياسي، وهي ليست أمنيات، وليس ذلك على الله ببعيد.
أخر كلام
سوابق لها دلالات
15-10-2012