القضاء ظالم أم مظلوم؟!

Ad

منذ أن نجحت ثورة يناير في خلع مبارك وتولى المجلس العسكري الرئاسة، أدرك الجميع أنه إما متواطئ أو مقاوم أو مناهض أو رافض (قل ما شئت) للثورة ويسير عكس اتجاهها تماما، وقد اعتمد في ذلك- للأسف- على القضاء المصري الذي كانت له مواقفه المشرفة والجريئة، فرغم نزاهته السابقة وقت الظلم والفساد والاستبداد في عهد مبارك فإنه منذ قيام الثورة يلعب بأوامر من المجلس العسكري لعبة حقيرة ضد الشعب المصري كله.

لن نعلق على حكم بذاته أو قضية بحالها، ولكن سنتكلم في العموم، فمنذ قيام الثورة ونحن نشاهد العجب العجاب، فقضايا تقدم إلى المحكمة ناقصة الأدلة وأحكام تصدر يشوبها البطلان والنقصان، ويمكن لأصغر محام المطالبة بنقضها والاعتراض عليها، وأحكام في دائرة تخالف أحكاماً في دائرة أخرى لذات القضية والملابسات، ومحامي الشعب (النائب العام) الذي عينه مبارك مؤتمن على حقوق المواطنين والقصاص من النظام الذي أتى به!!

كل ذلك جعل كل قضية أساسية تتفرع منها عدة قضايا جانبية تشتت فكر الجميع عن القضية الأولى، فإذا ما زاد الخلاف واتسع نسي الجميع البداية والقضية الرئيسة، ومنذ التعديل الدستوري في مارس 2011 والقضايا لا تنتهي سواء بالطعن في دستورية قانون أو نقض حكم دستوري.

وما نشاهده الآن في الانتخابات الرئاسية ما هو إلا دليل صارخ على تلاعب القضاء، وعن عمد، بمصير الثورة والشعب المصري كله بدءا من المادة 28 التي تنص– بغرابة شديدة- على عدم الطعن في قرارات لجنة الانتخابات، فبدأ الجميع في الطعن فيها!!

ثم حق البعض في الترشح وفقا لقرارات يشوبها البطلان، فينشغل الجميع بالإشاعات والأخبار، ويخرجون للتظاهرات مع أو ضد، ويصدر قرار محكمة لمصلحة مرشح أو أكثر مع علم القاضي بسهولة رفض قراره والطعن فيه لتأتي لجنة الانتخابات وترفضه، فيقوم المرشح بالطعن لتقبل اللجنة الطعن شكلا وترفضه موضوعا.

وهكذا دواليك، ومتاهات تلو متاهات ومغارات ودهاليز يدخلنا فيها القضاء ولا يخرجنا منها، ويتلاعب بنا، وكل ذلك يحدث تحت مظلة الدستور والقانون. واليوم ألقى المجلس العسكري بكارت جديد (لا أدري هل سيكون الأخير أم لا) بضرورة الانتهاء من تشكيل لجنة الدستور قبل الانتخابات والانتهاء من الدستور ذاته قبل تسليم السلطة، ويعلم الجميع أن تشكيل لجنة الدستور يواجه مشكلة قضائية (كالعادة) لا نعلم متى ولا كيف ستنتهي؟

إن أسوأ ما وقعنا فيه نتيجة هذا الكم الكبير من القضايا والأحكام أن الشعب بأكمله– بمن في ذلك المرشحون أنفسهم- انشغلوا بهذه القضايا، فلم نسمع أو نناقش برنامجاً حقيقياً وفعلياً لمرشح واحد مناقشة وافية تتيح للناخب اختيار مرشحه. فالكل مشغول بمن سيترشح ومن سيخرج من السباق، والمظاهرات تتوالى والدعوات للمليونيات لا تتوقف.

من الصعب جدا أن نصدق أن كل هذا يحدث بمحض المصادفة أو يتم ببراءة، فالتعمد واضح والاستفزاز ظاهر، ووقوع الشعب في نفق الأحكام والأحكام المضادة أمر مقصود، وإذا كان التعمد– قضائيا- يغير وصف التهمة من جنحة إلى جناية فأعتقد أن القضاء المصري والنائب العام متهمون بجناية "القضاء على الثورة ومعاداة الشعب المصري مع سبق الإصرار والترصد".

والمجلس العسكري من بعيد سعيد بما يحدث، ويزيد النار اشتعالا والخلاف ضراوة والانشقاق عمقا، ويبقى السؤال هل كان يمكن أن يحدث كل هذا لو التزم القضاة قولا وفعلا باستقلالية القضاء ونزاهة الأحكام وشفافية الموقف وعدالة الحكم؟