ما الذي كنا ننتظره من فيلم يعترف بطله على الملأ بأنه بدأ تصويره بعد أن أبلغته الشركة المنتجة لفيلمه «كلبي دليلي» بأنه لن يلحق بموسم عيد الأضحى المبارك، فما كان منه سوى أن بدأ تصوير الفيلم الآخر بعنوان «30 فبراير» مع شركة إنتاج أخرى كي لا تفوته فرصة التواجد في العيد، وبالطبع أنجزه في وقت قياسي، وكانت النتيجة كارثية بمعنى الكلمة!
«البطل» الذي نعنيه هو سامح حسين، الذي عرفه الجمهور وأعجب به، وهو يجسد شخصية «رمزي» في مسلسل الست كوم «راجل وست ستات»، لكن «أولاد الحلال» أوغروا صدره عندما أوحوا إليه بأنه «تميمة» نجاح «راجل وست ستات»، وأن عليه أن يستقل بموهبته ويتمرد على وضعيته، ولا يقبل بغير أدوار البطولة المُطلقة بديلاً، فانساق إليهم واستجاب لهم، فكان «السقوط التراجيدي» الذي دفع ثمنه، ودفعناه معه!لا يتسع المجال، ولا تسمح المساحة، بتقييم التجارب الدرامية التلفزيونية، التي انفرد سامح حسين ببطولتها، عقب قراره بألا يصبح «الرجل الثاني»، لكننا بصدد تقييم تجربته في فيلم «30 فبراير»، الذي بدا وكأنه محاولة لتدشينه «بطلاً مطلقاً» و»نجماً للشباك» فكشف الفيلم عن إمكانات فقيرة، ورصيد محدود من الموهبة، واستهلاك مجاني لذات الإيماءات والانفعالات، التي تصدر عنه مع اختلاف الأعمال والموضوعات، التي يقوم ببطولتها!«نادر»، سامح حسين، في فيلم «30 فبرير» حالة نادرة فعلاً؛ فقد ولد في يوم شهدت فيه البلاد كسوفاً كلياً للشمس، وعاشت ظهيرة حالكة السواد، وخرج للحياة يوم 29 فبراير، الذي لا يتكرر إلا كل أربع سنوات، وفي سنة يُطلق عليها «كبيسة»، وفي طفولته تسبب في وفاة والده، في مشهد عبثي سخيف، ومن ثم فالظروف تهيأت، كما رأى كاتب الفيلم صلاح الجهيني، كي يُصبح نموذج الشخص «النحس»، الذي تواجهه الكثير من المشاكل في عمله كـ «سمسار عقارات»، سواء مع رئيسه أو زبائنه، كذلك علاقاته العاطفية التي لا تكتمل، وهي الأزمة التي تدفعه إلى طرق الأبواب كافة لحلها، ولو أدى الأمر إلى الالتجاء إلى أحد مكاتب قراءة الطالع، الذي يُصاب ببعض رذاذه. لكن صاحبه يؤكد له أن القضاء على مشكلته يكمن في العثور على فتاة تعيش ظروفه، وولدت في اليوم النادر في السنة الكبيسة نفسها!فكرة لا تخلو من جدة وطزاجة، وتعكس اجتهاداً واضحاً من الكاتب صلاح الجهيني، في أول تجربة له ككاتب سيناريو، في البحث والتنقيب عن أفكار جديدة وغير مستهلكة، لكن التجربة لا تكتمل بالصورة المطلوبة، ولا يصل الفيلم إلى بر الأمان ليُصبح أحد أفضل أفلام السينما المصرية في الآونة الأخيرة، لأسباب بعضها إنتاجية، بالنظر إلى السرعة في إنجاز الفيلم، والبعض الآخر يُسأل عنه المخرج معتز التوني، الذي يتمتع بحضور و»كاريزما» كممثل خفيف الظل، ومخرج صاحب حدس فني لا يُنكر في فيلم «سمير وشهير وبهير»، لكنه في فيلم «30 فبراير» يُعاني مشاكل جمة حالت بينه وتقديم الرؤية الوثابة التي نُدرك أنه يملكها، وأنتظرنا منه أن يقدمها! بعيداً عن المبالغات الكثيرة، والمواقف التي تبدو مفتعلة، للبطل وهو يسعى إلى إغواء الزبون بتوقيع عقد الشقة ليحصل على عمولته ويسترضي رئيسه، تتواصل أحداث الفيلم برتابة وسماجة وثقل ظل من سامح حسين، وأيتن عامر التي ظهرت باهتة نتيجة السطحية التي اتسمت بها شخصيتها كمذيعة لم يتوافر مبرر لانسياقها وراء سمسار العقارات في سفرياته وصفقاته؛ فإذا صدقنا أنه عمل بالنصيحة، ورأى فيها الوجه الصبوح الذي سيجلب له الحظ، ويُصبح «المعادل الموضوعي» لهذا «النحس» الذي تملكه، فأي هاجس درامي «شيطاني» دفعها إلى الاستجابة له بالدرجة التي رأيناها؟ المثير أن المخرج معتز التوني بدا في مشاهد كثيرة من الفيلم، وكأنه يحاول التملص من قيود حاصرته، وبين الحين والآخر يهتف:»أنا هنا... وفي جعبتي إبداع أستطيع أن أفاجئكم به»، مثلما فعل في مشهد البطل وهو يعبر بالكفيف إلى الجانب الآخر من الشارع، وإذا بالنحس يُصيب «الكفيف» ويعجز عن العبور في ظل السيارات التي تتقاطر بسرعة هائلة، بل إن الشارع المخصص للمركبات ينشق فجأة عن «مترو» ضخم يشق الطريق ويختفي، في أحد أجمل مشاهد فيلم «30 فبراير» وأكثرها دلالة على أن التجربة لم تكتمل، وإلا كان لها شأن آخر؛ فالمخرج نجح، رغم الإمكانات الهزيلة للسينما المصرية في توظيف فن «الغرافيك» في إبداع مشهد ساحر ومثير، وأكد أنه يملك، مع كاتب السيناريو، خيالاً جميلاً ينتظر من يدعمه بسخاء. النجاح بالاجتهاد، وليس بالاعتماد على الحظ، نصيحة تقليدية تبناها الفيلم لكنه قدمها بطريقة «مدرسية» تخلو من الإبداع ولا تعرف الخيال، نتيجة الشُح الإنتاجي والارتباك الدرامي، وهرولة ممثلين إلى بطولة غير مؤهلين لها، فضلاً عن الجهل الذي صور للبعض أن فيلماً كوميدياً يعني الاستخفاف، وإدخار المفاجآت السخيفة إلى النهاية!
توابل - سيما
فجر يوم جديد: الهرولة إلى البطولة المُطلقة!
21-11-2012