من الطبيعي أن يوجه الأغلبية العظمى من المسلمين أصابع الاتهام إلى الحكومات الغربية والولايات المتحدة، تحديداً في كل مرة يتم فيه استفزاز المقدسات الإسلامية بالطرق الرخيصة والقذرة، فإذا سألت الشارع الشعبي في عموم الأقطار العربية والمسلمة عن مؤلف كتاب الآيات الشيطانية أو رسام الكاريكاتير الدنماركي أو المخرج الهولندي أو القسيس الأميركي حارق القرآن، وأخيراً القبطي منتج الفيلم المسيء إلى الرسول الكريم- صلى الله عليه وسلم- لا تكاد تجد حتى من يعرف أسماءهم.

Ad

وأمثال هؤلاء المجانين والمتعصبين أو المرضى قد لا يمثلون تيارات سياسية أو فكرية، ولكن تصرفاتهم الفردية بالتأكيد لها وقع خطير ومباشر على تفجر العنف وقتل الأبرياء، وتدمير الممتلكات الخاصة والعامة، ولعل في الدول الإسلامية أكثر من غيرها أيضاً بسبب بعض المتعصبين فيها، ناهيك عن نشر ثقافة الكراهية والتطرف بين المسلمين والغرب.

ومن المستغرب جداً أن يكتفي المسؤولون في الدول الغربية، مثلما رأينا في كلمات الرئيس الأميركي ووزيرة خارجيته، وقبل ذلك من القادة الأوروبيين، بشجب الأعمال المسيئة إلى المسلمين، وكأنهم يجارون الحكام العرب عندما يضحكون على ذقون شعوبهم بعبارات الشجب والاستنكار عند وقوع المصائب التي تمرغ الكرامات بالوحل!

وهذا الاستغراب نابع من حقيقة أن الأميركيين عمليون عادة في احتواء المشاكل وعبر القنوات القانونية، وبضغط سياسي لا يخلو من استعراضات للقوة، فلم ينقذ الشعب الأميركي من الحرب الأهلية بين الشمال والجنوب سوى الدستور وإقرار حقوق الولايات، ولم يحم الاستقرار السياسي الداخلي إلا قوانين نبذ العنصرية تجاه السود، ولم يحافظ على تحقيق السلم الأهلي بين الأميركيين سوى حزمة قوانين نبذ خطاب وممارسات الكراهية تجاه الأقليات المختلفة، فلماذا لا تفعّل الحكومة الأميركية مثل هذه الإجراءات عندما يتعلق الأمر بالإسلام والمسلمين؟ هل كان الأميركيون سيكتفون بالشجب والاستنكار لو قام أي مواطن عندهم بإنتاج فيلم أو تأليف كتاب يحمل رؤية مختلفة عن معاداة السامية وحرقة الهولوكوست؟ وهل كان الكونغرس يدين فقط أي عمل بشأن تحقير وازدراء السود؟ ودع عنك العالم الإسلامي، أليس من حق الأميركيين المسلمين أن ينتصر لهم القانون الأميركي نفسه عندما تهان مقدساتهم وتجرح كرامتهم بشكل سافر وصريح كمواطنين في بلدهم؟!

الأميركيون لا يحتاجون إلى إرسال حاملات طائراتهم إلى الدول العربية لقمع المتظاهرين ضدهم أو قوات المارينز لحماية سفاراتهم ورعاياهم، أو أن يأمروا الحكومات المحلية بضرب شعوبهم، وهذه السياسات لم تثبت فشلها على مدى نصف قرن فقط، بل كرست ثقافة الكراهية ضد واشنطن في عموم العالم الإسلامي، ولم يجرب الساسة الأميركيون الطريق الأكثر حضارية وأوفر مالاً وعتاداً لكسب احترام الشعوب من خلال وقف قلة من "الأزاعر" عندهم عن التطاول والتحرش بالآخرين وفق سياساتهم وقوانينهم المحلية، وهذا أكبر تحد فشل الأميركيون في مواجهته رغم الأجواء المناسبة في بلادهم اليوم، إذ الشعب الأميركي نفسه سئم الحروب والكراهية لأنه بدأ بدفع ثمنه باهظاً أيضاً.