منذ فترة قصيرة، كنت أتوقف مشدوهاً وأنا أقرأ يوميات الحرب الأهلية اللبنانية ومقدماتها التي أشعلتها، خاصة حادثة بوسطة (باص) عين الرمانة التي كانت حصيلة تداعيات تغيير التركيبة الاجتماعية اللبنانية بدخول آلاف اللاجئين الفلسطينيين إلى لبنان وإعطائهم حرية العمل السياسي والعسكري على أراضيها. سبب مفاجأتي من تلك التفاصيل هو موقف اللبنانيين غير المبالي لما كان يحدث حولهم حتى وقعت الواقعة عام 1975 واشتعلت الحرب الأهلية، بينما كان السياسيون اللبنانيون يستخدمون التطورات التي تحدث على أرضهم والتدخلات الخارجية في حسابات الربح والخسارة الشخصية لهم حتى ضاع الوطن وأصبح لبنان الساحة التي يلعب فيها الجميع ويتلاعب بها على مدى نصف قرن ومازال.

Ad

في الكويت الصورة مقاربة والأحداث متشابهة، وما نعيشه اليوم هو ما تبقى من إطار دولة سنبكيها دماً لا دموعاً، وطن تكالب عليه كل الأشرار بعقدهم الشخصية، وعنادهم المرضي، ومشاريعهم الخاصة المدمرة، بنفاقهم و"الأنا" المتورمة من خبث العقد السرطانية التي تملؤها، ونفوس جشعة لم تعد أرقام كل الدنيا في حساباتها ترضيها، وطننا من يشفق عليه حُيد وعُزل، واللئام يخططون ويقررون ما سيفعلونه في شوارع الديرة، وبعض رموزه مازالوا يرون الأحداث بـ"الأبيض والأسود"، ويستمعون إلى البيانات بخلفية نبرة أحمد سعيد الثورية!

لم يبق في الكويت سوى إطار الدولة وأسماء وعناوين المؤسسات دون مضمون كما يريدها المتمردون، فأصحاب الصوت العالي من الجماعة أو الأغلبية المبطلة  أو المعارضة لا يعترفون بسلطة قضائية ولا قانون ولا أحكام، يسقطون المؤسسات في الشارع، ويقتحمونها ولا يبالون، ويدينون من يشاؤون في الساحات، ويقررون نسخ القوانين، بل إلغاءها من على منابرهم الخاصة، يقولون لهم إن لرئيس الدولة حق إصدار مراسيم الضرورة فيردون: لن نسمح لك! يعرفونهم بأن الدستور والقانون يعاقب من يتعرض لذات سمو الأمير وصلاحياته فيصرخون: الحرية لسجين الرأي! لم يعد للقضاء قيمة لديهم ولا لقرارات رئيس الدولة احتراماً، وبدأت "كنتونات" المناطق السكنية المصممة عرقياً وطائفياً تتمرد على الدولة في مشهد يقربنا بسرعة من مشهد "بوسطة" عين الرمانة الذي نتوسل إلى الله أن يقينا منه ومن تداعياته.

***

من ضمن اقتراحات البعض للتصدي للأزمة الحالية أن يفتح الشيوخ دواوينهم ليستقبلوا الناس ويتلقوا عرائضهم ويلبوا حاجاتهم، وهو اقتراح "خزعبلي" سيردنا إلى نمط الدولة العشائرية، بينما نخوض حالياً معركة تثبيت دولة المؤسسات ومحاربة نهج فوضى إدارة الدولة من الشارع والساحات، ومساواة جميع الناس أمام القانون وأجهزة الدولة، فدفاعنا عن أسرة الصباح ليس إلا لكونها جزءاً من شرعية دولة المؤسسات المدنية الحديثة كما ينص الدستور، وامتداداً كذلك للبيعة التاريخية لهم من أهل الكويت.