الناس في حيرة من أمرهم بعد صدور حكم إلزام الكويت بدفع تعويض لشركة "الداو" نتيجة فسخ عقد شركة "الكي-داو"، فهناك من يلقي باللائمة على الحكومة، وهناك أيضا من يلقي باللائمة على النواب وضغطهم الذي أدى إلى إلغاء العقد، والأصح طبعا هو لوم الطرفين على هذه النتيجة التي وصلنا إليها والتي تختصر الحالة المزرية التي يمر فيها البلد منذ سنوات ليست بقليلة.
فالحكومات السابقة (والحالية أيضا) ضعيفة وهشة وغير قادرة على النهوض بالبلد ومواجهة تحديات المستقبل، وأهمها خلق اقتصاد متنوع، وتقليل اعتمادنا على إبر النفط المخدرة، فمن أجل تفادي مقعد الاستجواب تم التفريط بصفقة مهمة أثبتت جدواها الاقتصادية مثلما تم التفريط بمشاريع أخرى أو تأجيلها من أجل إرضاء هذا النائب أو ذاك.ومثلما تخضع الحكومة حين تلغي مشاريع مفيدة للوطن نجدها بالمقابل تقر مشاريع قوانين أو قرارات كارثية وللسبب ذاته، أي تفادي استجواب لضمان بقاء وزير هنا ووزير هناك غير عابئة بالنتائج السلبية على البلد نتيجة لهذا الخضوع، وآخر هذه القرارات القراقوشية هو مساواة خريجي الشريعة بخريجي الحقوق في المميزات المالية!ومثلما ابتلينا بحكومات "قرقيعانية" ضعيفة وغير متجانسة، ابتلينا أيضا بنواب لا يرون أبعد من أنوفهم، فهمهم الأول والأخير الاستعراض وخداع الناس باسم حماية المال العام، وهوس العمولات والتنفيع. نعم (قد) يكون هناك خلل وعلامات استفهام في إجراءات معينة في صفقة "الكي-داو" أو غيرها، مثل موضوع الشرط الجزائي، لكن ألا يعد إصرار بعض النواب على إلغاء الصفقة مع علمهم المسبق بهذا الشرط الجزائي تهورا وعنادا؟!المشكلة أن هؤلاء النواب نصبوا أنفسهم خبراء في الجدوى الاقتصادية، وأخذوا الناس بالصيحة وبالصوت العالي إلى أن دفعنا ثمن هذا التهور بالنهاية، بينما كنا سنوفر مبلغ الغرامة بل ندخل في جني أرباح صفقة ثبتت جدواها الاقتصادية.فلم يكن الهدف من كل هذا الضغط والصراخ والعويل هو حماية المال العام، بل كان لتسجيل أهداف سياسية، وقد رأينا كيف وقف نفس هؤلاء النواب مدعي حماية المال العام مع هدره عبر الكوادر والزيادات العبثية غير المدروسة، والتي أقرت على طريقة (جم أقول) عبر ضغط هؤلاء النواب وخداعهم للناس من أجل التكسب الانتخابي وتدليع الناس، وكل ذلك على حساب الأجيال القادمة التي باتت في خطر محدق بعد تنامي الإنفاق العام وتضخم الميزانية وتضاعفها خمس مرات خلال عشرة أعوام فقط! نعم الحكومة هي من قررت إلغاء صفقة "الكي-داو" لكنها لم تكن لتفعل ذلك لولا الضغط السياسي غير المسؤول والمشترك في الجريمة.الخلاصة أن البلد يسير من سيئ إلى أسوأ بسبب تردي أداء السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولا يلوح في الأفق أي أمل في أن يغير أي منهما من طبيعة أدائه، فالحكومة مستمرة بالانبطاح للنواب ومطالبهم غير الدستورية من أجل إنقاذ نفسها، وأغلبية النواب مستمرين في مسلسل الاستعراض والضحك على عقول الناس ونسوا أولوياتهم مقابل إشغالنا بتوافه الأمور، و"بين حانا ومانا ضاعت يا ناس لحانا".
مقالات
بين حانا ومانا... ضاعت لحانا
07-06-2012