ما قل ودل: لا لإقصاء الكويت عن ركب الحضارة الإنسانية

نشر في 01-04-2012
آخر تحديث 01-04-2012 | 00:01
No Image Caption
 المستشار شفيق إمام المطالبة بتعديل المادة الثانية من الدستور، كانت محور مقالاتي "المادة الثانية من الدستور... لماذا كل هذا العناء؟" و"في ملتقى أسلمة القوانين" و"الشريعة الإسلامية بين من أنصفوها ومن أنكروها ومن جمدوها"، وهي المقالات التي نشرت على هذه الصفحة في أعداد "الجريدة" في 19 فبراير و18 مارس و25 مارس على التوالي.

«ملتقى النهضة» الشبابي

ومثلما حرصت على حضور "ملتقى أسلمة القوانين" فقد حرصت كذلك على حضور "ملتقى النهضة" الشبابي، وقد أمتعنا د. شفيق الغبرا بمحاضرته القيمة عن الحرية في اليوم الأول من الملتقى، وكان أحد محاور المحاضرة والمداخلات الكثيرة هو محاولة أحد التيارات إقصاء التيارات الأخرى عن المشهد السياسي وعن صنع مستقبل الأمة. وأدليت بدلوي في كلا الملتقين، حول تعديل المادة الثانية من الدستور، الذي اعتبرته في "ملتقى النهضة" إقصاءً للكويت عن ركب الحضارة الإنسانية.

مخالفة المادة (12) من الدستور

والأصل في الدستور أن نصوصه وأحكامه تعتبر وحدة واحدة، تتكامل فيما بينها بحيث يسود هذه الأحكام التناغم، بما ينأى بها عن التعارض أو التهاتر. ولأن الدستور وحدة واحدة، فإن المادة الثانية من الدستور لا تنفصل عن بقية مواده، ذلك أن تعديل المادة الثانية منه، لكي تكون "الشريعة الإسلامية المصدر الوحيد للتشريع"، ليس إقصاءً للتيار الليبرالي، أو استئثاراً للتيار الإسلامي، بل هو إقصاء للكويت كلها عن ركب الحضارة الإنسانية. فالمادة الثانية من الدستور في خطابها للمشرع باعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً رئيسياً للتشريع، قد بوأت الشريعة الإسلامية المكانة اللائقة بالفقه الإسلامي، الذي انبهر به الغرب، بما أرساه من نظريات في علم القانون، كان لها فضل السبق على الحضارة الإنسانية كلها التي نهلت منها أوروبا والغرب بوجه عام. وهو ما يتناقض ويخالف مخالفة صريحة المادة (12) من الدستور التي تنص على أن "تصون الدولة التراث الإسلامي وتسهم في ركب الحضارة الإنسانية"، لأن اقتصار مصادر التشريع على مصدر وحيد، هو الشريعة الإسلامية، يتناقض مع واجب الدولة في الإسهام في ركب الحضارة الإنسانية، وإقصاء للكويت عن ركب هذه الحضارة.

مخالفة المادة (27) من الدستور

كما أن هذا التعديل سيعطل أحكاماً أخرى في الدستور ومنها المادة (27) من الدستور التي نصت على أن الجنسية الكويتية يحددها القانون، واعتبار الشريعة الإسلامية مصدراً وحيداً للتشريع، سيغل يد المشرع في تحديد من يعتبر كويتياً، لأن على المشرع في هذه الحالة أن يعتبر، كل مسلم في دار الإسلام مواطناً يتمتع بحقوق المواطنة كاملة، لأن الجنسية في هذه الشريعة مرادفة للإسلام، أما مصادر التشريع الأخرى فتعتبر الجنسية مظهراً من مظاهر سيادة الدولة على أراضيها، تمنحها لمن تراه مستحقاً لها، والولاء للدولة هو أساس منح الجنسية.

مخالفة المادة (36) من الدستور

فيما تنص عليه من أن حرية الرأي والبحث العلمي مكفولة ولكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو الكتابة أو غيرهما.

والقانون كما يعلم رجال القانون يتكون من عنصرين: العلم والصياغة، ومن ثم فإن قصر مصادر التشريع على الشريعة الإسلامية في غير مسائل العبادة والفرائض والأحوال الشخصية والميراث، سيجمد البحث العلمي في القانون ويحرم الباحثين فيه من أن ينهلوا من الفقه والقضاء والقانون المقارن، والذي يعتبر تراثاً إنسانياً للعالم كله الذي يتقدم بخطى واسعة في شتى مجالات العلم والمعرفة من اقتصاد وتقدم تقني وعلوم اجتماعية وبيئية وغيرها من علوم لم يصل إليها الفقه الإسلامي الذي كانت تحكمه ظروف عصره، والذي تجمد بعد رحيل أئمة هذا الفقه العظام منذ حوالي اثني عشر قرناً، ولم يأت بعدهم سوى المقلدين.

الإمام حسن البنا والعلوم الكونية

ولأن القانون هو أحد العلوم الكونية فيما ينظمه من حياة الجماعة، وهو لازم من لوازم وجودها، يقول المرحوم الإمام الشهيد حسن البنا في كتابه "مقاصد القرآن الكريم": "إن القرآن الكريم لم ينزل ليكون كتاب طب أو فلك أو صناعة أو زراعة، بل كتاب توجيه اجتماعي إلى أمهات المناهج الاجتماعية التي إذا سلكها الناس سعدوا في دنياهم وفازوا في آخرتهم".

ويرد فضيلة الشيخ حسن البنا على علماء الدين الذين يرون أن القرآن الكريم قد تضمن كل أصول العلوم الكونية، ومنهم الإمام الغزالي قديماً في "جوهر القرآن" والشيخ طنطاوي جوهري في تفسيره "الجواهر" والدكتور عبدالعزيز إسماعيل في كتابه "القرآن والطب"، يرد عليهم فيقول إنه جهد مشكور ولكنه تكليف بما لم يكلف الله به قد يصل في كثير من الأحيان إلى التكلف، وخروج بالقرآن عما نزل من الهداية والإصلاح الاجتماعي، وتقرير قواعدهما في النفوس والمجتمعات وتعريض لمعاني كتاب الله لاختلاف الآراء وتضارب المقررات العلمية واختلاف أقوال العلماء، ولهذا كره بعض السلف هذا المعنى ومنهم الشاطبي. ويضيف الإمام الشهيد أن القرآن يعرض للعلوم الكونية ولمظاهر الوجود المادية الطبيعية بالقدر الذي يعين على الإيمان بعظمة الخالق جل وعلا، ويكشف عن بديع صنعه، وعما أودع في هذا الكون من المنافع والفوائد لبني الإنسان حتى ييسر لهم بذلك طرائق الاهتداء إلى الاستفادة من هذه الخيرات في الأرض وفي السماء وفيما بين ذلك، ثم ترك للعقل الإنساني أن يجاهد ويكافح في سبيل الكشف عن مساتير هذا الوجود، والاستفادة مما فيه من قوى ومنافع، وحث على ذلك وجعل هذا من أفضل العبادة وأعلى أنواع ذكر الله "قل انظروا ماذا في السموات والأرض".

وللحديث بقية إن كان في العمر بقية.

back to top