عندما ينقل وزير الخارجية الفرنسي لوران فابيوس عن نظيره الروسي سيرغي لافروف: "إن الرئيس السوري لن يترك السلطة أبداً... وإنه لن يرحل"، وعندما يعلن نائب وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللَّهيان أن طهران قدمت إلى المبعوث العربي والدولي "لَخْضر" الإبراهيمي اقتراحاً لحل الأزمة السورية ينص على: وقف العنف ووقف إطلاق النار ووقف إرسال الأسلحة ودعم المجموعات الإرهابية! وإجراء حوار وطني بين "المعارضة"! والحكومة.. وفترة انتقالية تحت إشراف بشار الأسد"، فهذا يعني أنه لا جديد على الإطلاق وكأنك "يا أبو زيد" ما غزيت... وتي تي لا رحت ولا جيتي!... و"لا تندهي ما في حدا!".

Ad

الآن دخلت "الحرب السورية" لا الأزمة السورية شهرها العشرين، والآن تشير الأرقام إلى أن عدد القتلى ربما تجاوز الخمسين ألفاً وأن عدد المفقودين يقدر بضعف هذا العدد، في حين أنْ لا أحد يعرف أعداد المعتقلين ولا أعداد المهجرين داخلياً بينما عدد الذين لجأوا إلى الخارج اقترب من النصف مليون، وكل هذا وهناك مدن غدت شبه مدمرة تماماً، من بينها حلب وإدلب وحمص ودير الزور والبوكمال في الشرق وحماة وكل ضواحي العاصمة دمشق، بالإضافة إلى درعا والعديد من توابعها الحورانية.

وكل هذا ولا يتردد سيرغي لافروف، الذي هو في حقيقة الأمر جنرال هذه الحرب على جانب النظام السوري مثله مثل قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني، في أن يقول: "إن الرئيس السوري لن يترك السلطة أبداً... وإنه لن يرحل"، وكل هذا ويقدم الإيرانيون لـ"سي لَخْضر" اقتراحاً هو بمثابة شروط إذعان وبمثابة إلزام للمعارضة برفع يديها والاستسلام... وإلاّ ما معنى أن تقترح طهران، المنخرطة في هذه الحرب ضد شعب سورية منذ اللحظة الأولى، فترة انتقالية تحت إشراف بشار الأسد؟!

وحقيقة إن ما يدعو إلى الحزن والأسى أن مهمة هذا العملاق السياسي "سي لَخْضر" قد تقزَّمت إلى حدِّ الاكتفاء، بعدما سمع في طهران ما سمعه وبعدما سمع أنَّ لافروف بات أكثر تشدداً وأنه قال: "إن بشار الأسد لن يترك السلطة أبداً... وإنه لن يرحل"، بأن تكون هناك هدنة وقفٍ لإطلاق النار خلال أيام عيد الأضحى المبارك، والمؤكد أن هذا لن يكون أبداً لأنه منذ اندلاع القتال قبل نحو عشرين شهراً قد مرَّت على سورية أعيادٌ كثيرة، لكن المجازر بقيت متواصلة، وبقيت عمليات التدمير مستمرة.

إن هذا هو واقع الحال وإن هذه هي حقائق الأمور، ويقيناً لو أن هذا النظام تراوده أيُّ نوايا، إنْ صادقة أو كاذبة، لحقن دماء شعبه لما استمر في عمليات الذبح والتدمير حتى الآن ولقبل منذ البدايات مقايضةَ كرسي الحكم، الذي بات يغرق في دماء الأبرياء ويرتكز على جماجم أطفال سورية، بإخراج هذا البلد من دوامة العنف التي كان بالإمكان تجنبها لو تم التعامل مع حادثة أطفال درعا المعروفة على أساس التسامح وعلى أنهم أطفال أبرياء لا يجوز تحت أيِّ اعتبار التعامل معهم بالقمع المفرط والتعامل مع ذويهم بالإهانات والتحقير والإذلال، فأولاً وأخيراً هم أبناء للشعب السوري العظيم وهم حتى لو أن أطفالهم قد قاموا بما نُسب إليهم فإنه لا يجوز إطلاق الوحوش المخابراتية عليهم لتنهش أعراضهم وتمزق أشلاءهم.