رهان ليس في محله!
زيارة محمود أحمدي نجاد، الاستفزازية، لجزيرة أبوموسى الإماراتية تذكِّرُ بالآمال التي استقبل بها العرب الثورة الإيرانية، إن لم يكن على مستوى الأنظمة فعلى مستوى الشعوب، على أساس أن مرحلة جديدة من العلاقات القائمة على التعاون والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع إيران ستحل محل مرحلة التطلعات الفارسية الإمبراطورية التي سادت زمن الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يعتقد أنه "قورش" الجديد، وكان يتطلع إلى امتداد نفوذه إلى مصر التي لم يجد، كوالده، مكاناً يُقبر فيه إلا أرضها الطاهرة بعد أن ضاقت عليه الدنيا بما رحبت وأصبح شريداً ومطارداً في الكرة الأرضية كلها.لم يكن العرب يعتقدون أن ثورة إسلامية على رأسها رجال دين (إسلامي) معممون ستكون أسوأ من نظام أسرة بهلوي، وكان الاعتقاد بالنسبة إلى الشيخ زايد، رحمه الله، ودولة الإمارات العربية ودول الخليج العربي كلها أن الإمام الخميني سيبادر، كبداية لعلاقة بلاده مع أشقائه في الدين والجوار والعلاقات التاريخية، إلى إعادة الحق إلى أصحابه وإرجاع جزر طنب الكبرى وطنب الصغرى و(أبوموسى) إلى أهلها وفتح صفحة جديدة مع "الأشقاء" على الشاطئ الغربي من الخليج، الذي لو أنه حصل فعلاً فلربما لم يكن هناك اعتراض على أن يكون اسمه الخليج الفارسي.
كانت أولى مبادرات الشيخ زايد تجاه ثورة الخميني المنتصرة وتجاه إيران ما بعد زوال عنجهية الشاه محمد رضا بهلوي، الذي كان يطرب لوصفه بأنه "شرطيُّ الخليج"، والذي رغم ضعف شخصيته واضطرابه النفسي كان يتصرف على أساس أنه الوريث الشرعي لأمجاد فارس القديمة، التي دفنها العرب في قادسية العراق بعد انطلاق رسالة الإسلام إلى أربع رياح الأرض، أنه أرسل طائرته الخاصة لتعيد الزعيم الفلسطيني ياسر عرفات من طهران التي كان قد ذهب إليها بعد انتصار الثورة الخمينية بأيام، لكسب ودِّ شيعة لبنان الذين بدأوا يتحركون ضده أكثر من مسارعته إلى حجز مقعد في المعادلة الإقليمية المستجدة، بعد انهيار عرش الطاووس ومجيء أصحاب العمامات السوداء من آيات الله وحجج الإسلام ليحكموا واحدة من أهم دول المنطقة.لقد حاول أبوعمار أن يعود إلى العرب عموماً وإلى الخليجيين بصورة خاصة بما يشعرهم بزوال غمامة عنجهية وخيلاء محمد رضا بهلوي، وبذل جهوداً مضنية ليعود من لقائه بالإمام الخميني إلى الشيخ زايد ولو بمجرد وعدٍ بردِّ الحق إلى أصحابه وبعودة الجزر الثلاث، التي احتلها الشاه خلال لحظة مريضة من التاريخ العربي المعاصر، إلى أهلها، لكنه لم يستطع بل أحسَّ بأن هناك إصراراً على تسمية الخليج بـ"الفارسي" وأن هناك إصراراً على التمسك بما احتله الجيش الشاهنشاهي، وأن هناك فوق هذا كله تطلعات مذهبية تجاه المقامات الشيعية في النجف وكربلاء والعراق كله.وهكذا فقد أدرك العرب أن حالهم مع هذا النظام الإيراني المعمم كحال المستجير من الرمضاء بالنار، وأن التطلعات الإمبراطورية الشاهنشاهية تجاه المنطقة العربية وفي مقدمتها منطقة الخليج قد جرى فَرْدُ العمامة الخمينية السوداء فوقها، وأنه جرى تحويل المذهب الشيعي الشريف إلى غطاء للأطماع الفارسية القديمة في هذه المنطقة، وتحويل الشيعة العرب إلى جاليات إيرانية باقتلاعها من بلدانها وربطها بـ"قم" بدلاً من النجف الأشرف، وإلحاقها بطهران وبالولي الفقيه بدلاً من دولها وأنظمتها.