الصبر الجميل

نشر في 14-12-2012
آخر تحديث 14-12-2012 | 00:01
 د. محمد لطفـي الصبر من أعظم الفضائل التي يتحلى بها الإنسان وله منزلة كبيرة ودرجة رفيعة في إيمانه، وقد قال الإمام الصادق "الصبر من الإيمان كالرأس من الجسد، فإذا أصيب الرأس مرض الجسد، وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان"، والصبر لغة: هو الكف والحبس، واصطلاحاً: هو حبس النفس على فعل شيء أو ترك أمر ابتغاء وجه الله تعالى، وللصبر أنواع ثلاثة: على الطاعة وعن المعصية وعند المصيبة.

الصبر عند المصيبة، وهو المعروف بين العامة، ويدعو الناس بعضهم لبعض بالصبر، ويكون عند وفاة شخص مثلاً أو حادث أو مرض... إلخ، وقد عددها الشاعر بقوله:

ثلاث يعزّ الصبر عند حلولها

ويذهل عنها عقل كل لبيب

خروج اضطرار من بلاد تحبها

وفرقة إخـوان وفقد حبيب

وترتفع قيمة الصبر ومكانته إن كان صبراً جميلاً، والصبر الجميل هو الصبر دون شكوى ولا ضيق ولا ضجر، واليقين بأن ما حدث هو خير اختاره الله لك كصبر سيدنا يعقوب على فراق يوسف "وَجَاءُوا عَلَى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قَالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْرًا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُون". (يوسف- 18).

وثاني الأنواع هو الصبر عن المعصية، أي كف النفس وحبسها عن ارتكاب المعاصي والذنوب كشرب الخمر وعقوق الوالدين... إلخ، وهو شرط من شروط الإيمان وترتفع به درجته، وثوابه كبير عند الله سبحانه وتعالى "إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَائِزُونَ". (المؤمنون-111)، كما أن الصبر أسلوب حياة المؤمن ومنهج تفكيره "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ". (البقرة- 153).

وثالث الأنواع وأعلاها مكانة هو الصبر على الطاعة والالتزام بها في اليسر والعسر والفرج والضيق، وكذلك صبر الأنبياء على الدعوة وتحملهم الصعاب في سبيلها "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ". (الأحقاف- 35). والصابرون لهم أجر عظيم عند الله سبحانه وتعالى "سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ". (الرعد- 24)، و"أُولَئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِمَا صَبَرُوا وَيُلَقَّوْنَ فِيهَا تَحِيَّةً وَسَلَامًا". (الفرقان- 75)... والغرفة هي أعلى منازل الجنة، وكما هو معلوم فمنزلة الأجر بمنزلة العمل.

 ***

هناك الكثير من الأشعار والحكم والأمثال تتحدث عن الصبر ومنها قول الشافعي:

كن حليماً إذا بليت بغيظ

صبوراً إذا أتتك مصيبة

فالليالي من الزمان حبالى

مثقلات يلدن كل عجيبة

وقول الأبيوردي:

تنكر لي دهري ولم يدر أنني

أعز وأحداث الزمان تهون

فظل يريني الخطب كيف اعتداؤه

وبتّ أريه الصبر كيف يكون

ومن حكم الصبر: "اصبر قليلا فبعد العسر تيسير وكل أمر له وقت وتدبير"... "دوام الحال من المحال"... "اللي خلق الأشداق يتكفل بالأرزاق"... "المكتوب ممنوش هروب".

وأخيراً، "صبرك عن محارم الله أيسر من صبرك على عذاب الله"...  فاللهم اجعلنا من الصابرين المتقين وارزقنا جنة النعيم إنك نعم المولى ونعم النصير.

back to top