من المرجح أن ما فعله نجاد عبر زيارته النادرة المثيرة للجدل لجزيرة «أبو موسى» كان بغرض إشغال المسرح الإيراني بخلاف قومي يرفع الضغوط العارمة التي يعانيها، لكن مناورات «جزر الوفاء»، والتصريحات الإماراتية والفرنسية، ونشر الطائرات الأميركية، كلها إشارات إلى احتمال تطوير الأزمة في اتجاه حرب إقليمية أو ضربة مؤثرة لإيران.

Ad

كان سعد بن أبي وقاص، وهو أحد العشرة المبشرين بالجنة وفق الأحاديث المنقولة عن الرسول الكريم، على رأس جيش المسلمين الذي فتح العراق في معركة القادسية، وهو أيضاً الذي قاد الجيش في موقعة المدائن وانتصر فيها، قبل أن يدخل "إيوان كسرى"، ويصلي فيه ثماني ركعات شكراً لله على النصر المظفر ضد الفرس.

لا يغيب سعد بن أبي وقاص عن بال المسلمين أبداً، لأنه من أوائل من أسلموا، وهو من أخوال الرسول الكريم، وبطل معركة القادسية، وتحمل اسمه مدارس وشوارع وميادين عديدة في كل بقعة من بقاع العالم الإسلامي، ويدرس الطلاب حياته ومناقبه في معاهد العلم، لكن اسمه تردد كثيراً في الأخبار في الأسبوع الماضي، مقترناً بمناورات أجرتها قوات "درع الجزيرة"، في الإمارات، تحت اسم "جزر الوفاء"، حيث كانت القوة الرئيسية، التي نفذت العملية العسكرية البرمائية موضوع التدريب، تحمل اسم هذا الصحابي الجليل.

دائماً ما يتم اختيار اسم المناورات التي تجريها جيوش العالم وفق منطق محدد، ولا يتم أبداً اختيار اسم تلك التدريبات عشوائياً؛ إذ ينطوي عادة على رسالة محددة يريد من يقوم بالمناورات أن يبعث بها، سواء إلى القوات نفسها التي تقوم بالتدريب، أو إلى مواطني الدولة التي تجري فيها المناورات، أو إلى الحلفاء المشاركين، أو الأصدقاء، أو الأعداء.

الأمر ذاته ينطبق بالطبع على اسم القوة العسكرية التي تقوم بالمناورة، بل وموقعها، والأسلحة المشتركة التي تنخرط فيها، والدول التي تشارك فيها، ولذلك فإن المناورات تتجاوز دائماً هدفها الأساسي المتمثل في تعزيز قدرات القوات المسلحة التي تجريها وترقية مهارات أفرادها، لتحمل أيضاً رسائل استراتيجية بالغة الأهمية إلى جميع الأطراف المعنية.

لدينا إذن مناورات تجريها قوات "درع الجزيرة" المشتركة، وهي القوات العائدة إلى مجلس التعاون لدول الخليج العربية الست، التي تقبع على الساحل الغربي للخليج العربي، الذي تسميه إيران "الخليج الفارسي"، في وقت تشهد فيه العلاقات بين الطرفين توتراً ملحوظاً.

تلك المناورات تسمى "جزر الوفاء"، والجزر المقصودة هنا هي "طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى"، التي فرضت إيران سيطرتها عليها في عام 1971، وقت انسحاب القوات البريطانية من الخليج، والتي ترفض منذ ذلك الوقت التجاوب مع دعوات الإمارات للتفاوض المباشر أو التحكيم لحسم النزاع على تلك الجزر ذات الأهمية البالغة، كونها تشرف على مضيق هرمز الاستراتيجي، الذي تمر منه نسبة معتبرة من النفط العالمي الذي يجري تصديره يومياً.

يشير اسم "جزر الوفاء" إلى أن دول مجلس التعاون المشاركة في تلك المناورات تعتقد أنه من الوفاء للإمارات والمجلس المطالبة بتلك الجزر، ويشير اسم سعد بن أبي وقاص إلى أن هذا القائد العربي القادم من الجزيرة العربية استطاع أن يقهر الفرس ويدحرهم فاتحاً العراق، قبل أن يحطم إمبراطوريتهم عندما دخل "إيوان كسرى".

من الممكن بالطبع أن يتم دحض هذا التحليل، والقول بأنه أفرط في التأويل، لكن هذا الأمر سيكون صعباً في ضوء ارتفاع حدة التوتر بين الإمارات وإيران، على خلفية نزاعهما على الجزر الثلاث في هذا الوقت بالذات.

تأتي تلك المناورات مباشرة في أعقاب الكشف عن نشر الولايات المتحدة الأميركية عدداً غير محدود من المقاتلات المتطورة "إف 22" في قاعدة الظفرة الجوية بالإمارات، وهو أمر يشير إلى تحول استراتيجي مهم في خريطة تسلح المنطقة وتموضع القوات الأميركية فيها.

وتأتي تلك المناورات كذلك في أعقاب تصريحات فرنسية واضحة تدعم فيها باريس الإمارات في مواجهة أي تهديدات قادمة من الساحل الشرقي للخليج العربي، وتذكر في الوقت ذاته بالقوة الفرنسية المنتشرة في الإمارات، عبر قاعدة بحرية تعد الأولى لفرنسا في الشرق الأوسط منذ أكثر من نصف قرن.

يمكن ربط المناورات الخليجية، ونشر الطائرات الأميركية، والتصريحات الفرنسية، بالطبع، بتصريحات نارية أطلقها اللواء ضاحي خلفان قائد عام شرطة دبي، قبل أسبوع، وهي التصريحات التي هدد فيها الرجل بـ"إحراق القوات الإيرانية في الجزر"، والتي تحدث فيها عن أن بلاده تمتلك "سلاح جو ضارباً"، وأن "نشر إيران قوات في الجزر دليل خوفها من الإمارات".

تلك أعنف تصريحات تصدر عن مسؤول إماراتي تجاه إيران منذ سنوات طويلة، ورغم أنها تأتي في أعقاب تطور نوعي في المشكلة المزمنة بين البلدين في أعقاب زيارة نجاد لجزيرة "أبو موسى"، ونشر قوات برية بها، فإن ذلك لا يبرر أيضاً ذلك التطور النوعي في السجال الحاد بين البلدين، ولا حديث المسؤول الإماراتي عن القوة بهذا الشكل السافر، وهو حديث لا ينسجم بأي حال من الأحوال مع قاموس الإمارات السياسي في ما يتعلق بالسياسة الخارجية.

من المرجح أن ما فعله نجاد عبر زيارته النادرة المثيرة للجدل لجزيرة "أبو موسى" كان بغرض إشغال المسرح الإيراني بخلاف قومي يرفع الضغوط العارمة التي يعانيها أو يحد منها، ويبدو أنه نال ما أراد، لكن مناورات "جزر الوفاء"، والتصريحات الإماراتية والفرنسية، ونشر الطائرات الأميركية، كلها إشارات إلى احتمال تطوير الأزمة في اتجاه حرب إقليمية أو ضربة مؤثرة لإيران، تتخذ من الموضوع الإماراتي ذريعة ومدخلاً مناسباً، بالنظر إلى أن "الإمارات لا تقل أهمية استراتيجية عن الكويت"، وهو الأمر الذي ذكره محللون غربيون عديدون تحدثوا عن احتمالات قيام حرب ضد إيران في حال هددت سلامة الإمارات وأمنها.

روائح الحرب تعود إلى المنطقة إذن، في وقت تشهد فيه إسرائيل أزمة داخلية قد تؤدي إلى انتخابات مبكرة، وقد تحتاج هروباً إلى الأمام، وينتظر فيه أوباما عنواناً "قومياً" يعزز فرصه في البقاء في البيت الأبيض، وتنحسر قوة إيران الخارجية في سورية ولبنان، ويتمترس الخليجيون في خندق واحد مدافعين عن أمنهم الداخلي وسلامة الإقليم.

يبقى من مآثر سعد بن أبي وقاص أيضاً أنه اعتزل الفتنة التي وقعت بدءاً من مقتل أمير المؤمنين عثمان بن عفان، ورفض أن ينضم إلى أي من الفريقين المسلمين المتحاربين، وهو أمر سيكون محل جدل شديد إذا نشبت حرب في تلك المنطقة بين دولتين مسلمتين على ساحلي الخليج، تهب فيها دول عظمى وإقليمية لمساندة إحداهما.

* كاتب مصري