ضمن مهرجان «لقاء الصورة» الذي نظمه المعهد الفرنسي في القاهرة، من 2 إلى 9 أبريل الجاري، عُرض فيلم بعنوان «أنا والأجندة» لمخرجة شابة تُدعى نيفين شلبي انطلقت في فيلمها من سؤال استنكاري، قالت إن ضابطاً وجهه إليها في ميدان التحرير إبان ثورة 25 يناير عندما واجهها ممتعضاً: «ايه اللي جابك هنا؟ دول شباب بتوع أجندة؟»، وهو ما دعاها، حسبما قالت، إلى البحث عما إذا كانت هناك «أجندة» فعلاً وراء تحرك الشباب أم أنها تهمة رخيصة لتشويه الثورة وشبابها.
الحقيقة التي لا يمكن إنكارها أن المخرجة الشابة بذلت جهداً كبيراً في البحث عن إجابة لسؤال «الضابط»، ويبدو أن الهاجس ظل يطاردها حتى إنها اختارت لفيلمها عنوان «أنا والأجندة». لكن الإشكالية ليست في نجاح المخرجة أو فشلها في التوصل إلى إجابة تقنع المشاهد بما إذا كانت وراء «الثورة» «أجندة» فعلاً، سواء كانت خارجية أم داخلية، بل تكمن الإشكالية في الواقعة التي فجرها الفيلم، الذي ركز في مشاهد كثيرة منه على طبيب شاب تبنى وجهة نظر مناهضة لنظام الحكم السابق في مصر، ونفى بشكل قاطع وجود أجندات أجنبية أو عربية وراء قيام ثورة 25 يناير، وانطلق يتحدث ويسخر ويستنكر ويهتف ويعلق ويرفع لافتة تنديد قبل أن تنتقل الكاميرا إلى منزله لتسجل معه ومع زوجته الشابة.كانت المفاجأة عندما جاء الرجل إلى قاعة العرض في المعهد الفرنسي ليشاهد الفيلم مع الجمهور، وكنت مسؤولاً عن إدارة ندوة الفيلم فسألته عن السر وراء ظهوره في العمل «التسجيلي» بهذه الكثافة وإصراره على الوجود في الندوة، ولم أخف عليه وجمهور الندوة بأنه بدا لي وكأنه «ممثل» وليس مواطناً عادياً التقت به المخرجة في الميدان، وأرادت أن تسأله رأيه في «الأجندة»، وانفجرت القنبلة عندما أكد الشاب على الملأ أن المخرجة لم تلتقه بالمصادفة بل إن علاقة صداقة وطيدة قديمة تربطه وإياها، وأنها طالبته بالنزول معها إلى ميدان التحرير لتصوره، وهو يطرح وجهة نظر بوصفه ممثلاً للطبقة فوق المتوسطة!إجابة لم تلق هوى في نفسي، واعترف أنها لم تقنعني بل دفعتني إلى طرح الكثير من الأسئلة حول ما إذا كانت شروط الفيلم التسجيلي قد توافرت بناء على ما جرى في فيلم «أنا والأجندة» أم أنه خرج عن مساره؟ وعما إذا كان ظهور «صديق المخرجة» خصم من رصيد الفيلم ومصداقيته؟ وما إذا كان بمقدورنا، في حالة كهذه أن يتسرب إلينا الشك بأن ما رأيناه مجرد «تمثيلية متفق عليها» و{توزيع أدوار» لا أكثر ولا أقل؟لا أنكر أن وجهة نظر الطبيب الشاب كانت الأكثر حدة في الهجوم والمنطقية في المبررات، لكن كيف نتأكد أنها وجهة نظره فعلاً، وليست مجموعة أفكار ساقتها المخرجة على لسانه لتؤكد وجهة نظرها ورسالتها التي صنعت الفيلم لأجل تمريرها؟ وكيف نعرف أنه تبنى في الفيلم «التسجيلي» وجهة نظره التي تعكس أفكاره ومبادئه الشخصية، ولم يتحول إلى «ممثل» ينفذ أوامر المخرجة وتعليماتها أو يعبر عن قناعاتها الفكرية و{أيديلوجياتها» السياسية؟أيمكن الطعن، تبعاً لما كشفت عنه هذه «الحالة»، في بقية الشهادات التي تابعناها على الشاشة على لسان مواطنين آخرين، ويتسرب إلينا الشك مجدداً بأنها «لعبة» أو «مسرحية» تنسف مصداقية الفيلم التسجيلي الذي حدد جون جريرسون، رائد الفيلم التسجيلي في العالم، ثلاث خصائص لا بد من توافرها فيه كي يُقال عنه إنه «فيلم تسجيلي حقيقي»، أولها اعتماده على الملاحظة والانتقاء من الحياة نفسها، وألا يعتمد على موضوعات مؤلفة أو ممثلة في بيئة مصطنعة، كما يفعل الفيلم الروائي، وإنما يصور المشاهد الحية والوقائع الحقيقية، وثانيها أن يختار أشخاصه ومناظره من الواقع الحي وألا يعتمد على ممثلين «محترفين» أو مناظر صناعية مفتعلة داخل الأستوديو. أما الخاصية الثالثة فهي أن يتم اختيار مادة الفيلم التسجيلي من الطبيعة رأساً دونما تأليف، بذلك تكون موضوعاته أكثر دقة وواقعية من المادة المؤلفة والممثلة.أغلب الظن أن فيلم «أنا والأجندة» افتقر إلى عنصر واحد على الأقل من هذه العناصر الثلاثة، على رغم نجاح مخرجته في الانطلاق من فكرة محددة أو ما اصطلح على تسميته «مشكلة»، واستماتت في تقديم الشهادات التي تؤكد وجهة نظرها، ونجحت في التسلل إلى مشاعر الجمهور وأقنعته بما أرادت، باستثناء شهادة «الطبيب الشاب» الذي أرغمتنا على التفتيش في «الأجندة» لإزالة الغموض الذي اكتنف بعض صفحاتها!
توابل - سيما
فجر يوم جديد: الأجندة الغامضة
13-04-2012