كلمات حول مقاطعة الانتخابات والمسيرة الثانية!

نشر في 01-11-2012
آخر تحديث 01-11-2012 | 00:01
 د. ساجد العبدلي   مقاطعة الانتخابات القادمة، التي ستجيء وفقا لآلية الصوت الواحد، هو أمر مفروغ منه بالنسبة إلي، فهذه الانتخابات لن تكون سوى مسرحية سخيفة، سينتهي عمر مجلسها غالبا أسرع مما قد يتوقع الجميع، لكن موقفي هذا هو في نهاية المطاف موقف سياسي اتخذته وفقا لرؤيتي الخاصة واجتهادي الشخصي، ولذلك أؤمن في مقابلها بأن من حق غيري أن يتخذ عكس موقفي تماما، فلا يقاطع الانتخابات ويشارك بها انتخاباً وترشحاً، ليظل المحك في النهاية على ما ستنتهي إليه الأمور من نتائج، وحينها سيعرف كل فريق مقدار صحة ما ذهبوا إليه. قلتها سابقا مراراً، وأكررها الآن، يجب أن تظل هذه المسائل في إطار السجالات السياسية الفكرية لا أكثر، فالكويت لا تحتمل أكثر من ذلك أبداً.

ومقاطعتي للانتخابات هذه المرة لا تأتي فقط لأنها ستجري على أساس الصوت الواحد فقط، بل هي امتداد لقناعتي بأن العملية الانتخابية برمتها لا تقوم على أسس ديمقراطية سليمة، سواء بصوت واحد أو حتى بالأربعة أصوات، لأن برلماناً يقوم على الانتخاب الفردي وليس على انتخاب القوائم والمجموعات السياسية البرامجية المشتركة ليس سوى مجلس بلدي خدماتي يرتدي قناعاً مهما ارتفعت في الظاهر حدة صوته، وهو لذلك أبعد ما يكون عن طموحي بمجلس نيابي تشريعي حقيقي. ولا أكشف سراً حين أقول بأني قاطعت الانتخابات الماضية لذات السبب، وإن كنت قمت بالتصويت في الانتخابات التي سبقتها، وذلك بعدما وجدت، بما لا يقطع الشك بأن النواب، وأعني من نراهن على صلاحهم ورشدهم في العادة، لم يسعوا بجدية كافية إلى إقرار قانون الأحزاب وتعديل آليات الانتخابات والدفع نحو ديمقراطية حقيقية ترضي طموحنا، لذلك كانت مقاطعة كل هذا العبث أجدر وأولى في تقديري.

هذا بخصوص مقاطعة الانتخابات، وأما موضوع "مسيرة كرامة وطن" الثانية، فقد كنت وجدت في المسيرة الأولى بالرغم من أني لم أكن مقتنعاً بها كتحرك شعبي تعبيراً عن رفض تعديل آلية التصويت، ولم أكن مقتنعاً كذلك بفكرة التحرك من ثلاث نقاط مختلفة نحو نقطة واحدة، ولم أدرِ من جاء بالفكرة أساساً وهل تمت دراستها بشكل وافٍ أم لا، إنما وجدتها تعلن في "تويتر" ويساق الناس إليها سوقاً دون تمحيص ودراسة، ومع ذلك شاركت لسببين: أولاً حتى لا يتجرأ أي طرف فيقول إني ممن يكتفون بالتنظير دون المشاركة الحقيقية، وثانياً حتى أكون شاهداً على ما يجري، فليس من سمع كمن رأى.

 كان رأيي، وما زال، بأن الاعتصام والاحتشاد في ساحة الإرادة، حتى دون خطابات وميكروفونات، وبعدد كبير يستمر في التزايد مع الوقت سيوصل ذات الرسالة القوية إلى متخذ القرار بأن قطاعاً كبيراً من الشعب يرفض ويقاطع ويعتصم.

نحن اليوم في صراع سياسي أصلع، ولكن لا بد لكل صراع من حسن إدارة وصبر وطول نفس، وأما استعجال القطاف للوصول إلى النتائج السريعة فليس من الحكمة في شيء وسيحرق الأمور؛ لهذا السبب لن أشارك في مسيرة كرامة وطن الثانية، وإن كنت بلا ذرة من تردد مع الفريق الرافض لما جرى، لن أشارك في المسيرة الثانية وأطالب بدلا من ذلك بأن تنطلق الاعتصامات وتستمر بلا توقف في فعاليات أسبوعية في ساحة الإرادة وفي قاعات جمعيات النفع العام، وفي كل مكان مسموح به في الأطر القانونية المعقولة، وأن تحشد في موازاة هذا كل الجهود إعلامياً وسياسياً للتصدي لما يجري. ورفع سقف المواجهة عندي لا يصح أن يتوقف عند حدود إعادة آليات التصويت إلى ما كانت عليه، فهذا أمر ضئيل، ومعركة هامشية تم جرنا جميعاً إليها، وإنما الفرصة التاريخية السانحة التي أطلت برأسها تقول إن سقفنا يجب أن يصل إلى المواجهة السلمية المكشوفة في سبيل نظام ديمقراطي تعددي حزبي كامل، بكل تفاصيل الأمر ومشتقاته.

وعلينا، يا سادتي، أن نوطد أنفسنا لحقيقة أن هذه المواجهة السلمية المكشوفة لن تكون حلقة واحدة ستمر سريعا، بل قد تصبح سلسلة طويلة من الحلقات والبذل والمعاناة، وأن نؤمن عميقاً بأنه سينتصر في النهاية الصامدون الصابرون الذين لا يستعجلون.

back to top