هناك مغالطتان يروّج لهما البعض لأغراض لم تعد تخفى على المتابع الموضوعي؛ أولهما هو القول إن شعار "إلا الدستور" هو شعار سياسي مستجد رفع العام الماضي فقط أثناء الحراك الشعبي بعدما اتضح تعدي الحكومة السابقة على الدستور بشكل صارخ من خلال تعطيلها لعمل المجلس لكي يتم رفع الحصانة الموضوعية عن النائب د. فيصل المسلم، وأيضاً شطبها للاستجواب المقدم لرئيسها بالمخالفة للائحة الداخلية والدستور. لهذا وكما يدعي البعض فإن شعار "إلا الدستور" قد انتهى بنهاية السنة الماضية، أي بعد قبول استقالة الحكومة وحل المجلس.

Ad

لكن الحقيقة أن "إلا الدستور" لم يكن شعاراً مستجداً، رغم أنه لم يأخذ هذه التسمية الإعلامية إلا أثناء الحراك الشعبي الأخير، فقد رفعه الكويتيون لأول مرة بعد تعليق العمل ببعض مواد الدستور وتعطيل الحياة البرلمانية عام 1976 حتى عاد العمل بالدستور وتمت الدعوة للانتخابات العامة التي جرت عام 1981.

أضف إلى ذلك أن التحرك الشعبي العام من أجل وقف العبث بالدستور يعني "إلا الدستور" قد استمر أيضاً بعد تشكيل الحكومة لـ"لجنة النظر في تنقيح الدستور بحسب التصورات الحكومية" التي كانت ترمي للحد من المكتسبات الدستورية ولم يتوقف إلى أن حقق أهدافه، حيث أتت توصيات اللجنة متوافقة مع التحرك الشعبي ومناقضة للتوجهات الحكومية.

ثم مرة أخرى عاد شعار "إلا الدستور" بعد حل المجلس بالمخالفة للدستور عام 1986 وأثناء الحراك الشعبي المعروف "بديوانيات الاثنين" الذي كانت مطالبه محددة وواضحة، وهي معارضة تعليق بعض مواد الدستور أو المساس بالمكتسبات الدستورية والمطالبة بعودة الحياة البرلمانية، وهي القضايا نفسها التي تمسكت بها "المعارضة" في "مؤتمر جدة" الذي عقد أثناء الاحتلال في أكتوبر 1990، ثم أكدت على تمسكها بها مرة أخرى بعد التحرير عندما أعادت الحكومة العمل بالمجلس الوطني الذي أنشأته قبيل الاحتلال كبديل غير دستوري لمجلس الأمة.

لهذا، فإن "إلا الدستور" هو شعار قديم يرفعه المواطنون كلما أحسوا بمحاولة الانتقاص من مكتسباتهم الدستورية، وسيستمر تمسك المواطنين بدستورهم "إلا الدستور" طالما كان هناك تعدٍ عليه أو عبثٌ به من أي طرف كان، سواء من قبل الحكومة أو من قبل بعض الأطراف البرلمانية المعادية للحياة الديمقراطية وللحريات.

أما المغالطة الثانية، فهي قول البعض إن طرح شعار "إلا الدستور" معناه أن من يطرحه يضفي صفة القدسية على الدستور فلا ينقّح ولا يعدّل. وهذه مغالطة كبيرة لا تستقيم إذا ما عرفنا أن حظر تنقيح مواد الدستور كانت فقط للسنوات الخمس الأولى التي تلت إصداره على ألا ينقّح أو يعدّل بعد ذلك الا "بالمزيد من ضمانات الحرية والمساواة " كما تنص المادة (175) من الدستور، وهو الأمر الذي يجعل بعض اقتراحات التعديل، سواء السابقة أو الحالية التي تنتقص من الحريات العامة والشخصية أو التي تحد من المكتسبات الدستورية اقتراحات مناقضة لنصوص الدستور وروحه، أما التعديلات التي تطور نظامنا الديمقراطي وتجدده وتوفر المزيد من ضمانات الحرية والمساواة، فهي تعديلات مطلوبة ومستحقة وتتماشى تماماً مع شعار "إلا الدستور" الذي لا يعني العودة إلى الوراء أو الجمود بأي حال من الأحوال.