صدرت ترجمات الشاعر العراقي سركون بولص بتوقيعه وتحرير الروائي العراقي سنان أنطون، وهي للشاعر الأميركي و. س. ميروين والإنكليزي - الأميركي و. هـ. أودن وقد ورد في تقديم بولص للقصائد: «هذا الشاعر (أودن) جاء كالعاصفة في العشرينيات من القرن السابق ليطيح بمبادئ شعرية كان يُظن أنّها راسخة في زمانه، وأبدى معرفة مبكرة بأصول الكتابة في كلّ مجالاتها، مقرونة بذكاء خارق وموهبة فذّة لا تعرف الحدود»،
وفي ترجمة لقصيدة «رسائل عيد الميلاد وقصائد أخرى» للإنكليزي تيد هيوز (اختير كشاعر بلاط في بلاده) جاء في التقديم: «عندما أصدر تيد هيوز (1930 – 1998) هذا الكتاب لم يكن يتوقع حدثاً بهذه الجسامة، له في هذا الوقع المثير، وبهذه الصراحة في كشف أسرار علاقته بسيلفيا بلاث، الشاعرة الأميركية التي تزوجها عام 1956، والتي انتحرت في 1963، والنافل أن هذه القصائد هي عن زوجته السابقة وعلاقته بها وقيل الكثير عن هذه العلاقة وسبق أن ترجم الكتاب عن «سلسلة إبداعات» عالمية في الكويت، وأحدث مضمون القصائد ضجة لأن الشاعر «يكتب عن قصته الشخصية وحبه لبلاث بشكل صريح ومباشر».وكتب هيوز في تعرف الشعر بأنه: «ربما لم يكن الشعر بمطلقه، وذلك في قدرته على التأثير فينا والتواشج معنا، سوي كشف عن شيء يريد الكاتب أن يكشف عنه في الحقيقة، لكنه في يأسه يحتاج إلى التواصل عن طريقه، وإلى أن يتخلص منه.عواءومن القصائد المترجمة أيضاً قصيدة «عواء» لآلن غينسبرغ التي تعتبر فتحاً في الشعر من حيث التقنية الصوتية، وتحمل في طياتها من بعض المواقف النارية والهجومية ضد النظام الرأسمالي والحرب، وما زالت حتى الآن تثير النقاش وترجمت أكثر من مرة إلى العربية. لكن ما يميز ترجمة بولص شرحه بعض المفردات وتعمقه بشعر «جيل الصرخة»، صاحب البصمات المعروفة في أعماله، خصوصاً رواية «على الطريق» لجاك كيرواك، وقصيدتا «عواء» و{قادش» لغينسبيرغ، ورواية «الغذاء العاري» لوليام بوروز.وكان سركون بولص قد عمل على إنجاز هذه الترجمات ككتب كاملة أو مختارات، غير أنه لم يفلح في إكمالها، وحتى بعض هذه المختارات التي تبدو كاملة ورغم نشر أغلبها في المجلات والجرائد، أعاد الشاعر الاشتغال على بعضها حتى الأخير. هذه الترجمات التي نقرأها اليوم هي إشارة إلى كوزموبولتية بولص ومروحة ثقافته وتعدديته، فهو العراقي الأشوري الذي انتمى إلى جماعة كركوك، وهو الحداثي الذي كتب قصيدة النثر متأثراً ببعض القصائد التراثية كالتي كتبها عمر بن ابي ربيعة أو أبي فراس الحمداني، وهو الحالم الذي زار بيروت وكتب وترجم في مجلاتها الثقافية، لكن بيروت لم تلب أحلامه كما يجب فسافر إلى أميركاً حيث التقى الكثير من أعضاء «جيل الصرخة» مثل غينسبرغ، جاك كيرواك، غريغوري كورسو، بوب كوفمن، لورنس فيرلينغيتي، غاري سنايدر وغيرهم.ولم يثنه الاستقرار في سان فرانسيسكو عن السفر إلى العواصم الأوروبية. ومن خلال ثقافته الكوزموبولوتية جمع بولص بين الثوري الفيتنامي هوشي منه من خلال ترجمة يومياته والأديب اللبناني جبران خليل جبران من خلال ترجمة كتابه «النبي» والمتمرد الأميركي آلن غينسبيرغ صاحب قصيدة «عواء». ورغم نجاحه وعلاقاته بشخصيات ثقافية وعمله في الترجمة، لم يكن سركون بولص أسيراً للغرب وثقافته بل كان عاشقاً للشعر بتجلياته كافة، وها هو يستعيد «غربة جبران» ويراه حالماً في شوارع نيويورك، ويستعيد صورة أبي فراس وهو في سجن الروم يغنّي «أقول وقد ناحت بقربي حمامة». ولعل الاطلاع المبكر على الشعر الأميركي والتأثر به تدخّلا في تكوين نبرة بولص التي في وسعها أن تُري القارئ صياغتها العربية وحساسيتها المختلطة والمهجّنة في آن. لذا رأى في إحدى مقابلاته «أن الترجمة تجعل جميع اللغات والكتابات تتداخل وتتلاحم لتخلق شيئاً جديداً»، ناصحاً «كل شاعر أن يعرف لغة أخرى وأن يحاول الترجمة حتى لو كان ذلك من أجل لذته الخاصة بصفتها تمريناً».ولد سركون بولص عام 1944، بالقرب من مدينة الحبانية – العراق، أقام منذ عام 1969 في سان فرانسيسكو في الولايات المتحدة الأميركية وتنقل بين دول عدة. توفي في برلين عام 2007. صدر له: «الوصول إلى مدينة أين (شعر، منشورات سارق النار، أثينا 1985)؛ الحياة قرب الأكروبول (شعر، دار توبقال، الدار البيضاء 1988). وعن منشورات الجمل: «الأول والتالي (شعر، كولونيا، 1992)؛ حامل الفانوس في ليل الذئاب (شعر، بيروت - كولونيا 1996)؛ إذا كنت نائماً في مركب نوح (شعر، بيروت - كولونيا 1998)؛ اتيل عدنان: هناك (شعر، ترجمة، بيروت - كولونيا 2000)؛ عظمة أخرى لكلب القبيلة (شعر، بيروت - بغداد 2008)؛ جبران خليل جبران: النبي (ترجمة، بيروت - بغداد 2008)؛ الوصول إلى مدينة أين (شعر، بيروت - كولونيا 2003)؛ الحياة قرب الأكروبول (شعر، بيروت - بغداد 2008)؛ هو شي منه: يوميات في السجن (ترجمة، بيروت - بغداد 2011).
توابل - ثقافات
الذكرى الخامسة لرحيل سركون بولص... بابل التيارات الشعرية
22-10-2012