وكأن هذه المنطقة قد توقفت عند لحظة وصول "الشعوبية" إلى ذروتها في المرحلة العباسية، يوم كان الجاحظ لسان العرب في الدفاع عن قومه، فـ"الأشقاء" في جمهورية إيران الإسلامية أغضبهم أن يتحول مجلس تعاون دول الخليج العربية إلى اتحاد فدرالي أو كونفدرالي، وقد وصل الأمر برئيس مجلس الشورى الإيراني علي لاريجاني، الذي ولد في العراق وعاش في العراق ويُتقن اللغة العربية، ربما كما كان يتقنها سيبويه، إلى وصف هذه الدعوة الخليجية الوحدوية، حسب وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية، بأنها "سلوك بدوي ستكون تداعياته سيئة في الظروف الحالية"!

Ad

أما أن يدعو النائب، عن زاهدان، حسين علي شهرياري إلى ضم البحرين إلى إيران الفارسية فإن هذا ليس سلوكاً بدوياً "ستكون تداعياته سيئة في الظروف الحالية"، وأما أن يطالب أكثر من مسؤول إيراني كبير خلال زيارة رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي الأخيرة لطهران بوحدة إيرانية-عراقية فإن هذا سلوك حضاري لا عيب فيه ولا تشوبه شائبة!

قبل فترة قام رئيس الدولة "الشقيقة" إيران بزيارة "بلطجية" لجزيرة أبو موسى الإماراتية العربية، التي احتلها الإيرانيون الفرس في عهد شاه إيران السابق محمد رضا بهلوي، الذي أشبعه رموز الثورة الخمينية شتماً، واتهموه بالخيانة لأنه تخلى عن البحرين، التي كانت حسب زعمهم "المحافظة الرابعة عشرة في إيران حتى عام 1971"، وهذا هو ما كان فعله صدام حسين، عندما لجأ إلى احتلال الكويت بحجة مزعومة على أنها تشكل المحافظة التاسعة عشرة في الدولة العراقية!

لقد كان الشاه محمد رضا بهلوي رجل دولة، رغم أن ما كان بينه وبين العرب هو ما صنع الحداد، ورغم أنه أورث هذه الجمهورية الإسلامية احتلالاً لجزر عربية، سيبقى يسمم العلاقات بين العرب و"أشقائهم" الإيرانيين، ولذلك فإنه قد استجاب لوساطة العاهل الأردني الملك حسين بن طلال، رحمه الله، وبادر إلى الاعتراف بالبحرين في عام 1971 كدولة ذات سيادة، وأنهى حكاية أن هذا البلد العربي يشكل المحافظة الرابعة عشرة في إيران، وكل هذا إلى أن انتصرت الثورة الخمينية التي فرح بها العرب على أساس أنها ستفتح صفحة جديدة، على أساس الإخوة والتاريخ المشترك، مع الدولة الإيرانية.

كل دول الخليج العربي دول ذات سيادة، وكلها مستقلة وأعضاء في الجامعة العربية، وفي الأمم المتحدة، ومشاركة مشاركة فاعلة في الهيئات الدولية الإنسانية وغير الإنسانية، وبهذا فإنه لا يجوز لإيران أن تحشر أنفها في الشؤون الداخلية لهذه الدول، التي لها الحق في أن تفعل ما تريد طالما أنها لا تتدخل في الشؤون الإيرانية، وطالما أن اتحادها لا يشكل أي تحرش بهذه الدولة التي من المفترض أنها شقيقة مجاورة.

ثم وانه على إيران، التي بعد انتصار ثورتها "الإسلامية"، غدت أكثر نزعة فارسية وأكثر "شعوبية" من زمن الشاه محمد رضا بهلوي، أن تدرك أن الوحدة العربية الشاملة من أقصى المغرب العربي حتى رأس الخيمة والبحرين وعربستان في الشرق ستتم بالتأكيد، سواء طال الزمان أم قصر، فهذا هدف سيتحقق حتماً طالما أن أوروبا، التي لا تجمع دولها وشعوبها إلا الجغرافيا وبعض المصالح المشتركة، قد حققت وحدتها، وأصبح هناك هذا الاتحاد الأوروبي الذي لم يكن حتى أصحابه يتوقعونه قبل عشرات الأعوام الماضية.