عودة آلهة الانتقام إلى المكسيك

نشر في 26-06-2012
آخر تحديث 26-06-2012 | 00:01
 بروجيكت سنديكيت في الأول من يوليو، سوف تصوت المكسيك في الأرجح لمصلحة عودة الحزب الثوري الدستوري، الذي حكم البلاد طيلة سبعين عاما، إلى السلطة، والواقع أن مرشح الحزب الثوري الدستوري إنريكي بينيا نييتو أظهر تقدماً واضحاً في وقت متأخر من حملته الانتخابية، ويخشى كثيرون في المكسيك، وكذلك أصدقاء البلاد في الخارج، أن يكون هذا التحول في الأحداث نذيراً بالعودة إلى الماضي الاستبدادي الفاسد الذي خلفته المكسيك من ورائها عندما فاز مرشح حزب العمل الوطني فيسينتي فوكس بالرئاسة في عام 2000.

وباعتباري أحد الأشخاص الذين ساهموا في هزيمة الحزب الثوري الدستوري، فأنا أفضل فائزاً مختلفاً هذا العام: مرشح مستقل، من الديمقراطيين الاجتماعيين من يسار الوسط، أو زعيم من يمين الوسط يخوض حملته استناداً إلى أفضل الأجزاء في سجل فوكس والرئيس المنتهية ولايته فيليبي كالديرون (في حين يتبرأ من حرب كالديرون الدموية والعقيمة التي اختار شنها ضد أباطرة المخدرات في المكسيك). ولكنني أرفض الفكرة القائلة إن انتصار الحزب الثوري الدستوري من شأنه أن يستعيد الوضع السابق تلقائيا، وكأن المكسيك، وارتباطاتها بالعالم، والحزب الثوري الدستوري ذاته وقف بلا حراك طيلة اثنتي عشرة سنة.

لقد تغيرت المكسيك كثيراً منذ عام 1994، المرة الأخيرة التي انتخب فيها رئيس من الحزب الثوري الدستوري، وإذا فاز بينيا نييتو، فسوف يكون لزاماً عليه أن يتعامل مع كتلة معارضة قوية في الكونغرس، وعلى الأرجح مع وضع الأقلية بالنسبة إلى الحزب الثوري الدستوري، على الأقل في مجلس النواب. فضلاً عن ذلك فإن أكثر من عشرة من حكام الولايات الاثنين والثلاثين في المكسيك سوف ينتمون إلى المعارضة، في حين سوف يستمر حزب الثورة الديمقراطية من يسار الوسط في السيطرة على ثاني أهم منصب منتخب وميزانية البلاد: مكتب العمدة في مكسيكو سيتي، الذي احتفظ به حزب الثورة الديمقراطية منذ عام 1997.

ومن ناحية أخرى، أصبحت وسائل الإعلام في المكسيك أكثر حرية وأفضل وأقوى من أي وقت مضى، حتى لو كانت نوعية إنتاجها في بعض الأحيان أقل كثيراً من المستوى المرغوب. كما أصبح المجتمع المدني في البلاد أكثر تنظيما، وأكثر قوة، وأكثر نشاطا. ولم يعد بوسع الحكومة أن تفعل ما تشاء، سواء كان خيراً أو شرا.

الواقع أن العديد من المؤسسات الرئيسة اكتسبت قدراً كبيراً من الاستقلال عن الحكومة منذ عام 2000: البنك المركزي، ومعهد الشفافية، والمكتب الوطني للإحصاء، فضلاً عن سوق الأوراق المالية، والاتصالات، والانتخابات، ومنع الاحتكار، وسلطات مكافحة المخدرات. ولعل الأمر الأكثر أهمية أن المكسيك، وللمرة الأولى في تاريخها، أصبح لديها محكمة عليا مستقلة حقا. وهي المحكمة التي قضت مضاجع فوكس وكالديرون من حين إلى آخر، ولكنها نجحت في تحسين الأحوال بالنسبة إلى المواطنين المكسيكيين العاديين في كل مناحي الحياة.

كما تغيرت علاقات المكسيك بالعالم منذ عام 2000. فاليوم أصبحت البلاد مرتبطة بشكل وثيق بشبكة من اتفاقيات التجارة الحرة وغير ذلك من الأدوات الدولية التي دخلت إلى اقتصادها المفتوح، وسياسات الاقتصاد الكلي الراشدة، والالتزام بحكم الديمقراطية. وهي خاضعة لرقابة خارجية ثابتة وقوية ومرحب بها.

والآن تمثل ضغوط الأقران أيضاً أهمية كبرى، فالدول الأخرى لن تنصت إلى المكسيك إلا إذا التزمت المكسيك بتعهداتها فيما يتعلق بالعمالة، والبيئة، والانتخابات الحرة والنزيهة، والملكية الخاصة، وحقوق الإنسان، ففي عصرنا هذا، لا تستطيع الحكومة أن تفلت بلا عقاب بتزوير الانتخابات، أو إلقاء المعارضين السياسيين في السجون، أو مصادرة الممتلكات الأجنبية والمحلية، أو الفساد الواسع النطاق، أو الإنفاق المسرف. والواقع أن درجة التكامل الاقتصادي مع الولايات المتحدة وكندا- اللتين تشكلان معاً القسم الأعظم من تجارة المكسيك، وسياحتها، واستثماراتها الأجنبية، وتحويلاتها المالية- تجعل من الصعب على المكسيك بشكل خاص أن تكون منيعة في وجه الانتقادات في الخارج.

وأخيرا، تغير الحزب الثوري الدستوري بطريقتين أساسيتين منذ تولى السلطة آخر مرة، والواقع أنني لا أستطيع أن أشهد لمصلحة قناعات بينيا نييتو الديمقراطية، ولكنه نشأ على الديمقراطية في المكسيك: حيث كان في سن الثانية أثناء أحلك لحظة في تاريخ النظام القديم، أو مذبحة الطلاب في عام 1962؛ وكان قد بلغ من العمر 28 عاماً في عام 1994 عندما أجريت أول انتخابات شبه ديمقراطية في البلاد (التي اعترف حتى الفائز بها، أرنستو زيديلو، في وقت لاحق بأنها كانت حرة ولكنها لم تكن نزيهة)؛ ثم أكمل 34 عاماً في عام 2000.

وأياً كانت معتقداته الشخصية، فإذا فاز بينيا نييتو، فإنه سيكون أو رئيس منتخب ديمقراطياً من الحزب الثوري الدستوري، أول من يصبح رئيساً للدولة لأنه فاز بأصوات أكثر في الاستطلاعات، وليس لأن سلفه اختاره خلفاً له. ومن الصعب أن نجزم بما إذا كان هذا يشكل أهمية أم لا، ولكن المساءلة تشكل أهمية على المستوى الأخلاقي، والسياسي، والشخصي؛ ففي غياب المساءلة يصبح أي شيء ممكنا. والواقع أن المساءلة لم تعد غائبة عن المكسيك.

وفي النهاية، فإما أن نؤمن بأن الانتخابات الحرة والنزيهة، واحترام الحقوق والحريات الفردية، وتداول السلطة هي جوهر الديمقراطية، وإما ألا نؤمن بكل هذا. إن عودة الحزب الثوري الدستوري، في ظل القواعد الحالية التي تحكم المكسيك، قد لا تكون مثالية بالنسبة إلى البلاد، ولكنها ليست عودة إلى الوراء.

إذا لم تكن المكسيك جاهزة لعودة الحزب الثوري الدستوري إلى السلطة، فإن هذا يعني أن أداءنا جميعاً كان رديئا: فنحن لم نبن المؤسسات، والمجتمع المدني، والأحزاب السياسة، والمواثيق الدولية التي كانت ستضمن أن اللاعبين الديمقراطيين فقط هم المشاركون في اللعبة السياسية. ولكنني أعتقد أننا أنجزنا المهمة، وأن خشيتنا من عودة الحكم الاستبدادي تعني إنكار كل ما نجحنا في تحقيقه على مدى اثنتي عشرة سنة.

* خورخي كاستانيدا، وزير خارجية المكسيك السابق في الفترة 2000-2003، وأستاذ السياسة ودراسات أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في جامعة نيويورك.

"«بروجيكت سنديكيت» بالاتفاق مع «الجريدة»

back to top