الاعتراف بالخطأ من الشجاعة والحس بالمسؤولية، خاصة لمن يمارس عملاً عاماً يؤثر فيه على الرأي العام ويوجهه، وأنا أعترف بأنني خُدعت بما يسمى بالربيع العربي عندما كتبت وروجت له، لأنه أحداث أزاحت أنظمة لصالح الأسوأ منها من قوى التشدد والتعصب الديني التي ستدمر كل ما حققته الشعوب العربية من حداثة وتطوير منذ بداية القرن الماضي، بل إن تونس ومصر، اللتين أطلقتا هبات ذلك الربيع المزعوم، هما على شفا حرب شوارع وانهيارات اقتصادية وأمنية كبيرة وخطيرة.

Ad

المفارقة المهمة في تسلسل تلك الأحداث ما حدث الأسبوع الماضي عندما أعلن سمو الأمير الشيخ صباح الأحمد الصباح، الذي يرأس دولة دستورية ديمقراطية، أنه سيقبل أي قرار من مجلس الأمة بشأن مرسوم الضرورة الخاص بالصوت الواحد، وكذلك من القضاء ممثلاً في المحكمة الدستورية، مؤكداً إيمانه بدولة المؤسسات الديمقراطية، في المقابل كان الرئيس المصري محمد مرسي، وهو نتاج إحدى ثورات الربيع العربي والمنضوي في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين المصريين، يصدر إعلاناً دستورياً يحصن فيه جميع قراراته من نظرها والطعن فيها أو نقضها من القضاء!... وهنا تكمن المفارقة التي تثبت أن هناك ربيعاً ديمقراطياً متأصلاً في الكويت، أصبح غير قابل للإلغاء أو النكوس عنه، يحميه الشيخ صباح الأحمد، الذي يستحق أن يكون أمير الربيع الديمقراطي العربي الدائم، بينما من يمثلون جوازاً الربيع العربي المزعوم يتراجعون لأشكال السلطات المطلقة والفردية.

نعم... واجهنا في الكويت صعوبات ومحاولات للانقلاب على الحياة البرلمانية الديمقراطية وتفريغها من محتواها، لكن الكويتيين الوطنيين واجهوها وصدوها وحموا مكتسباتنا الوطنية دون أن يشيعوا الفوضى والخراب في البلد، واليوم نواجه في الكويت حركة فوضوية إقصائية أصولية أخطر من كل ما واجهنا في السابق، ولذلك كانت قرارات سمو الأمير الجراحية مهمة وفاعلة، ودونها كانت ستنهار مؤسسات الدولة تدريجياً أمام أعيننا، ونفقد أمن وسلامة وتماسك المجتمع الكويتي من أجل صراع عبثي على السلطة والمال، لم يعد ممكناً أن يتم وقفه أو قبول من يرعونه النصح وتذكيرهم باستحقاقاتهم الوطنية التي صموا آذانهم عنها لكي يرتدعوا عما يفعلون.

باختصار... ثورات الشوارع العربية في ما عدا سورية، التي تعاني حكماً ذا طبيعة طائفية، لم تكن موجودة في نظامي بن علي ومبارك، تلك الثورات فشلت وسرقت من حركة الإخوان المسلمين وتنظيمات دينية متشددة ستكرر النموذج الثوري الإيراني بنسخته السنية، وهو خطر سيدمر الدول العربية، والنموذج الأفضل للدول العربية هو التدرج والعمل المدني الدؤوب الذي تم في تركيا، للوصول إلى الديمقراطية الكاملة، ضمن إطار صارم يضمن علمانية الدولة، وينظم عمل الأحزاب ومدى الجرعة الدينية التي يمكنها توظيفها في الحياة السياسية.

لذا فإن الاستحقاق الانتخابي الكويتي بعد غد بالغ الأهمية في ترسيخ دولة المؤسسات، والتدرج في النموذج الديمقراطي الأمثل، الذي نتطلع له جميعاً ونتمناه، وقد كادت القوى الإقصائية، التي وصلت إلى قمة قوتها وتمكنها في مجلس الأمة المبطل 2012، تحول حياتنا السياسية إلى مسخ ديمقراطي إقصائي مدمر باسم الديمقراطية والدستور الذي قوضته بتشريعات بعضها أقر والآخر كان في طريقه إلى الإقرار، ليفرغ البلد من أي سمة ديمقراطية، وتحولنا إلى حالة مشابهة لخدعة الربيع العربي المزعوم، لذلك فإن تفاعل الناخبين مع هذا الاستحقاق والمشاركة فيه واجب وطني لا يمكن التفريط فيه.

***

شرعنة المسيرات في البلاد وإعطاء رخصة لتنظيمها والقيام بها من جهات رسمية في الدولة أمر بالغ الخطورة في بلد غالبية سكانه من الوافدين، ووسط عاصمتنا يخلو تقريباً من المواطنين وتسكنه أغلبية أجنبية، فالمسيرات والتحركات الجماعية بالغة الخطورة في الدول التي تكون تركيبتها السكانية مثلنا، وتكريس هذه السابقة من قبل الدولة سيفتح علينا باباً لا نعرف إلى أين سيأخذنا...؟ خاصة أن وسائل إبداء الرأي والتجمع وعقد الندوات للكويتيين لإبداء آرائهم مكفولة... فلماذا نفتح على البلد هذا الباب؟... الله يستر.