يقف الشارع الرياضي على مسافة أيام قليلة من انتخابات مجالس إدارات 14 نادياً رياضيا، ففي يوم 22 اكتوبر الجاري يتوقع ان يشهد اكثر من ناد موقعة انتخابية حامية في وقت تستمر فيه معاناة الرياضة الكويتية من انحدار في المستوى والاداء.

Ad

ورغم أن الحديث عن الرياضة ليس من شؤون الاقتصاد الخالصة، فانه بكل تأكيد من اوجه الادارة، فالقطاع الرياضي بشكله الحالي لا يمكن ان نفصله عن مجمل مشاكل الادارة في الكويت وتأثيراتها المباشرة وغير المباشرة على التنمية والشباب بل وحتى الصراع السياسي، إذ باتت الرياضة خصوصا خلال الـ20 عاما الاخيرة جزءا من مشروع الطموح السياسي - لاسيما مشروع الحكم - لعدد من الشيوخ والتجار والنواب والسياسيين.

وفي الحقيقة، تعتبر الرياضة حالياً، في معظمها، بيئة لانعدام الانجاز والمحسوبيات والشللية و»التضبيط»، فضلا عن سوء الادارة الذي يمكن ان تكون قصة «البندقية المكسورة» للرامي فهيد الديحاني، في اهم محفل رياضي عالمي، هو اولمبياد لندن على صغرها نموذجاً لسوء الادارة الرياضية واهمال قياداتها.

ولم يعد سراً القول إن الرياضة اليوم لم تعد تقتصر على البروز الاداري او الاجتماعي فحسب، بل السعي إلى مشروع سياسي اكبر واضحت انتخابات الاندية معركة لغير الرياضيين لدرجة ان اندية معدومة الجماهيرية صار عدد اعضاء الجمعية العمومية فيها يتجاوز الـ10 آلاف عضو، في حين ان عدد المشجعين في هذا النادي لا يمكن ان يتجاوز بأفضل الاحوال 100 شخص.

هذه الاجواء، وما يرافقها من بيئة تسمح للانتهازيين واهل العصبيات الطائفية والقبلية بولوج إدارات الاندية الرياضية، ساهمت الى حد كبير في تراجع الرياضة الكويتية على مدى سنوات، فالجمعيات العمومية، وهي في معظم الاحوال بعيدة عن الرياضة وهمومها، بل تستخدم كوقود انتخابي عبر سداد الاشتراكات التي تسمح لها بالتصويت وبالتالي انتخاب مجالس ادارات في افضل الاحوال يمكن وصفها بغير المهنية، وهو ما ينعكس سلبا على الاتحادات واللجنة الاولمبية، والقاعدة في الاندية انتخابية تصويتية، في معظمها غير رياضي، وعندما يكون الخلل في القاعدة يصبح لدينا نماذج مشوهة في مجالس ادارات الاندية والاتحادات واللجنة الاولمبية خصوصا عندما يطغى الولاء الشخصي على الكفاءة والمعايير الفنية.

حتى ان الرياضة الكويتية صارت منذ سنوات غير قليلة عديمة الانجاز، فما كان يتحقق في بداية الثمانينيات من القرن الماضي لم يعد متاحا بعد اكثر من 30 عاما، فالفوز بكأس آسيا 1980 والوصول الى اولمبياد موسكو والتأهل لكأس العالم 1982 والسيادة المطلقة على بطولة كأس الخليج لسنوات، فضلا عن مستويات جيدة جدا لمنتخبات الالعاب الجماعية كاليد والطائرة والسلة؛ كل هذه الانجازات تحققت على ايدي رياضيين حقيقيين ركزوا على مفاهيم سليمة في الادارة والتطوير والتحفيز، فكانت النتائج ايجابية في حين ان الوضع اليوم لم يقتصر على غياب الانجاز، بل بات الفشل في الادارة واضحا؛ وما قصة «البندقية المكسورة» للرامي فهيد الديحاني في اولمبياد لندن الاخيرة الا نموذج فشل الادارة الرياضية في الكويت.

ولعل نماذج الفشل في الادارة الرياضية بسبب سيطرة غير الرياضيين متنوعة، وفي اكثر من قطاع، فالعديد من الاندية قلص عدد اللعبات التي تشارك فيها الاندية لاسيما الالعاب الفردية وباتت اكثر الاندية قائمة على 4 او 5 العاب بحد اقصى، كما بات الحديث عن صناعة اللاعب امرا بعيدا عن الاهتمام، فالتركيز اليوم على المناصب واللجان، فضلا عن معارك الصراع الرياضي دون اهتمام بكيفية تطوير الرياضة.

ربما يقول قائل: معظم هذه المشاكل معروف... فما هو الحل إذاً؟!

كل المحاولات السابقة لإقصاء المتطفلين على الرياضة عبر التشديد على تجديد العضوية فشلت، ومازال غير الرياضيين يسيطرون على مقاليد الجمعيات العمومية ومن ثم الاندية ثم الاتحادات، فاللجنة الاولمبية. لذلك فالحل يتمثل في تغيير نموذج القطاع الرياضي من الجذور من خلال خصخصة الاندية، كليا او جزئيا، لتتحول ادارتها وملكيتها «أو جزء كبير منها» من القطاع العام الى الخاص بالضبط كما هي الحال في الاندية الاوروبية او حتى في الاندية المصرية او التونسية او المغربية، التي يتشارك القطاعان العام والخاص في معظمها.

إن غياب الخصخصة لم يؤد الى تراجع المستوى الرياضي فحسب، بل الى حرمان الاندية الكويتية ايضا من المشاركة في دوري ابطال آسيا للمحترفين، وهي البطولة المخصصة للاندية المحترفة كفرق اليابان وكوريا وحتى الامارات والسعودية (دول الخليج تعتمد هيكلا ورقيا لنظام الخصخصة لانديتها) ليكون مصير الفرق الكويتية ان تواجه فرقا اقل مستوى من الاردن او تركمانستان في كأس الاتحاد الآسيوي.

الا ان نجاح الخصخصة في القطاع الرياضي يستوجب مجموعة من الضوابط الاساسية لضمان أن تكون الاندية بيئة سليمة للتطوير الرياضي، وألا تكون امتدادا للوضع الحالي البائس، مثل:

- يجب ان تكون الهيئة العامة للشباب والرياضة جهة عليا ناظمة، تمارس دورها في الرقابة والاشراف على الاندية والالعاب الفردية والجماعية التي على النادي ان يشارك فيها الى جانب التركيز على مدارس الاعداد للناشئين وغيرها من الآليات التي تضمن ان تتحرك الاندية بشكل صحيح بعد تخصيصها مع الاخذ بعين الاعتبار تطوير مراكز الشباب في المناطق للراغبين في ممارسة الرياضة كهواية.

- عطفا على النقطة السابقة، يجب ان تكون من مهام الهيئة العامة الشباب والرياضة مراقبة اوجه الصرف على الرياضة داخل الاندية، بحيث يلزم القانون المستثمر - مثلا - باستثمار 5 ملايين دينار خلال 3 سنوات على اللاعبين، ومرافق النادي الرياضية، وليس الاستثمارية كالمطاعم او المولات.

- من المهم مع تخصيص الاندية ان يكون لدينا قانون للاستثمار الرياضي بما يتيح للمستثمر تحقيق عوائد مالية من استغلال مرافق النادي تجاريا لتحقيق الايرادات وتنظيم عمليات الرعاية والتسويق، وربما حتى بيع القمصان والمجسمات وغيرها كما يحدث في الاندية الاوروبية، ويجب في المقابل ان يتوقف الدعم الحكومي للاندية بعد الخصخصة البالغة قيمتها نصف مليون دينار سنويا.

- أهم عامل لنجاح خصخصة الاندية هو تطبيق الاحتراف الكلي للاعبين، فلم تعد الرياضة مجرد هواية بل صناعة، وهناك من الدول غير الاوروبية، بل حتى من دول العالم الثالث من طبقت الاحتراف الكلي وباتت مصنعا لتصدير النجوم الى الاندية العالمية، فنظم الاحتراف اليوم معتمدة في افريقيا وآسيا والشرق الاوسط والاميركيتين، اي في معظم بقاع العالم التي تحقق اليوم نتائج مبهرة في الرياضة عموما، وليس في كرة القدم فقط.

عندما تكون ملكية وادارة الاندية للقطاع الخاص كالبنوك وشركات الاتصالات والخدمات ستسعى هذه الشركات الى ربحية وحدتها الرياضية او على الاقل ستكون واجهة تسويقية محترمة لها، وبالتالي ستكون الادارة للرياضيين الحقيقيين وذوي الاختصاص في الادارة والاستثمار، وحتى علم النفس، وليس كما يحدث الان عبر جمعيات عمومية تخرج انصاف متعلمين وعديمي الخبرة إلى مجالس ادارات الاندية في أكبر قطاع للشباب الذين يعبرون عن الشريحة الكبرى في المجتمع الكويتي.