رُب كلمة أيقظت فكرة طاب لها النوم في إحدى زوايا العقل المظلمة.

Ad

وليس منا، مهما كانت ملائكيته، من لا يحمل "نفساً عنصرياً" في شخصيته، الاختلاف فقط باختلاف حجم هذا العنصري، والقدرة على لجمه. ولطالما فاخر العرب بلسان القرآن، وبعرق الرسول صلى الله عليه وسلم، كذلك يفعل الفُرس مع سليمان الفارسي، والأحباش مع بلال، ووو...

وكاذباً أكون لو أنكرت عنصريتي اللغوية، أقصد عنصريتي في اللهجة، خصوصاً عندما أتابع أخبار "المجمع اللغوي" وما يضيفه من كلمات مستحدثة إلى اللغة العربية، فلا أجد من بينها كلمة "خليجية"! ليش؟ الإجابة برأيي: لأسباب منها سيطرة إخوتنا المصريين والشوام والعراقيين على المجمع اللغوي، وبسبب ضعف إنتاجنا الأدبي كخليجيين، وضعف تأثيرنا على الذهن، وعدم شهرتنا، ووو...

وتقرأ للمصريين فتجدهم يطعّمون اللغة الفصحى ويبهّرونها بكلمات مصرية أو مستوردة سادت في لهجتهم المحكية، إلى درجة أنك لا تستنكرها في مقالاتهم وأبحاثهم، مثل "بتوع أو بتاع، البلطجي، الأجزاخانة (كلمة تركية)، زي، جدع، ابن بلد أو بنت بلد" وغيرها الكثير الكثير، وتقرأ للشوام فتجد مفردات شامية دكت حصون اللغة الفصحى فاخترقتها، مثل "شبيحة، منشان، قبضاي، أزعر، البندورة" ووو، وتقرأ للعراقيين فتجد كلمة "أبو" تُستخدم بكثرة ووفرة "أبو البريد (أي موظف البريد)، أبو الدكان" وكلمات أخرى... وتبحث عن مفردات خليجية في كتابات الكتّاب الخليجيين وأبحاثهم فلا تجد إلا ما يعادل حسنات الكفار، لا شيء يُذكر. إذاً العيب منا نحن الخليجيين لا أحد غيرنا.

وهذا ما حرصت عليه في مقالاتي التي كنت أنشرها في مصر، إدخال اللهجة الخليجية في ثنايا الفصحى، واستمر هذا النهج معي، وحرصت عليه، فأسقيته الماء ووفرت له الشمس، كي يكبر ويُثمر، وسيكبر ويُثمر على مر السنين.

على أن "العنصري" في داخلي يغضب لعدم وجود "الطريقة الخليجية في الكتابة" على غرار الطرق المصرية والشامية والعراقية المستخدمة في صحافتنا (الطريقة المغاربية غير مستخدمة في صحافتنا). أعترف بذلك وأقر.

كانت هذه هي الفكرة النائمة التي جئت على سيرتها في بداية المقالة، وكان سبب إيقاظها شاباً كويتياً علق على جملة كتبتها في برنامج تويتر، صغت كلماتها كلها بالفصحى باستثناء كلمة "ربع، أو ربعنا" أي أصدقائنا أو أصحابنا.

وسأستغل الحدث، كما يفعل تجار السلاح في الحروب، وسأقول للكتاب الخليجيين: لنعنصر أقلامنا قليلاً يرحمني ويرحمكم الله، ولنحرص على تطعيم القاموس العربي بمفرداتنا، فالقواميس كائنات حية، تتحرك وتتنفس وتتجدد خلاياها، وليست جامدة كما يظن العجزة.

وشكراً لـ"راعي المنبّه" الذي أيقظ العنصرية اللغوية النائمة، وعسى أن يقرأ في قادم السنين بأقلام الكتاب العرب كلمات "بزر، ربعنا، فداوي...".